نسبه ونشأته
هـو عــلى بن أبـى طـالب بن عبد المطـلب بن هـاشم بن عبد منـاف، وأمـه فــاطـمــة بـنت أسـد بـن هـاشم، وهـى أول هـاشميـة ولدت هـاشميًّا، وقد أسـلمت وهـاجرت إلى المدينـة، وهو ابن عم النبي صـلى الله عـليه وسـلم، وتربـى فى بيته، لأن أباه كان كثير العيال قـليـل المـال، فـأراد النبي أن يخفف عن عمه أعبـاء المعيشة، فأخذ عليًّا ليعيش معه فى بيته، وكان عمره يومئذٍ ست سنوات، فشاءت إرادة الله أن يـنشــأ عــلى فــى بـيت النبوة، فوقـاه الله أرجـاس الجاهلية، فلم يسجد لصنم قط، وكان أول من أسلم من الصبيان
صفته
كـان عـلى بن أبى طالب ربعة من الرجال، يميل إلى القصر، أسمر اللون، حـسن الوجـه واسـع العـينـين، أصـلع الرأس، عريض المنكبين، غزير اللحية، قوى الجسم
عُرف عـلى بن أبـى طـالب بـالشجـاعـة والعـلم الغزير، والزهد فى الدنـيــا مـع القـدرة عــليهـا، وكـان واحدًا ممن حفظوا القرآن كـله من الصحـابـة، وعرضوه عـلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أكثرهم معرفـة بـالقرآن و بتفسيره وأسباب نزوله، و أحكامه، و كان من كتاب الوحــى، و لذا اخـتص فــى سـيرتـه بـلقب الإمـام لأفضـليته العـلميـة والفـقهيـة، وكـان أقضـى الصحـابـة رضـى الله عنهم جميعًا، واشتهر بالفصاحة والخطابة وقوة الحجة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد تـآخـى الرسول صـلى الله عـليه وسـلم مع على بعد الهجرة، ثم زوجـه ابـنتـه فــاطمـة، وأنجب منهـا الحسن والحسين، وهمـا اللذان حفظا نسل الرسول صلى الله عليه وسلم
شهد على المشاهد كلها –عدا تبوك – مع رسول الله صلى الله عليه وسـلم، فكـان فـى طـليعـة من صرعوا المشركين فى بدر، وواحداً مـن الذيـن ثـبتـوا مـع رسـول الله صــلى الله عـليه وسـلم فـى غزوة أحـد، وحـمــل اللواء عـندمــا سـقط مـن يـد مـصعب بن عمير بعد استشهـاده، حمله بيده اليسرى، وظل يقاتل بيده اليمنى، وصرع فى غزوة الخندق عمرو بن عبد ود فـارس قريش والعرب كـلها عندما لم يـقدم أحد عـلى مبـارزته وأعطـاه الرسول صـلى الله عـليه و سـلم الرايـة يوم خيبر، و قـال: لأعطين اللواء غدًا رجلا يحب الله ورسوله ويـحبـه الله ورسـوله، وأخـبر أن الفـتح سيكون عـلى يديه، وتحقق ذلك، وثبت مع من ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فى حنين
وفـى غزوة تبوك خـلفه النبي صـلى الله عـليه وسـلم فـى أهـله يرعـى مصـالحهم وشئونهم، ولما تأذى من ذلك، وقال: يا رسول الله، تخـلفنـى فـى النسـاء والصبيـان؟!، فقـال له النبي صـلى الله عـليه وسـلم: أمـا ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نـبـى بعدى ؟، إشـارة من النبي إلى أن موسـى عندمـا ذهب لمنـاجـاة ربه، ترك أخـاه هارون، خلفًا له فى قومه، كما جاء فى قوله تعـالى : [وقـال موسـى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين [الأعراف: 142
وكان رضى الله عنه موضع ثقة واحترام من الصحابة جميعًا، فكان من أكـبر أعوان أبـى بكر الصديق فـى قمع حروب الردة، ولازم عمر بن الخطـاب، فكـان لا يقطع أمرًا دون مشـاورته، والاستنـارة برأيه، وكــان عـمر يقول: قضيـة و لا أبـا حسن لهـا. و عـاون عثمـان بــالرأى والمشورة مثـلمـا كـان يفعـل مع أبـى بكر وعمر، فـلم يـحجـب عـنه نـصحـه ومـؤازرته فـى الفتنـة التـى أطبقت عـلى الأمـة، وأرسـل أولاده مع بقية أولاد الصحابة لحراسته والدفاع عنه، ثم ذهب بنفسه لمواجهة الأشرار
بيعته بالخلافة
رُوِّعت مدينـة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتل أمير المؤمنين عثمـان بن عفـان - رضـى الله عنه - وعم الناس الهلع والرعب، لهذه الجريمة التى أقدم عليها هؤلاء الأشرار
سيطر الثـائرون عـلى المدينة، وظل الغافقى بن حرب زعيم ثوار مصر، وأحد كبـار زعمـاء الفتنـة يصـلى بـالنـاس إمـامًا فـى مسجد رسول الله صـلى الله عـليه وسـلم خمسـة أيـام، والدولة كـلهـا بدون خـليفـة، ولم يكن فـى وسع أحد من الثوار أن يرشح نفسه لهـا، لأنهم يعلمون أن هذا الأمر يخص المهاجرين وحدهم
وبدأ الثـائرون يعرضون منصب الخـلافة على كبار الصحابة: على بن أبــى طــالب، وطــلحــة بن عبيد الله، وسعد بن أبـى وقـاص، و الزبـير بـن العـوام، وعـبدا لله بـن عـمر بـن الخـطــاب، فـرفضوا جميعًا، وسمـاهم عـلى بن أبى طالب الثائرين ولعنهم على فعلتهم الشنعـاء، فهددهم الثـائرون بقتـلهم جميعًا كمـا قتلوا عثمان إن لم يقبل أحدهم منصب الخلافة
وفـى مثـل هذه الظروف العصيبـة كان لابد من رجل شجاع غير هياب، يـتقـدم الصـفوف لحمـل الأمـانـة وسط الأخطـار المحدقـة بهـا، واتجهت الأنظـار إلى عـلى بن أبـى طـالب، وتعلقت به الآمال، ترجوه تحمل المسئوليـة، وقيـادة الركب إلى بر الأمـان، وألح عـليه كبـار الصحابة إلحـاحًا شديدًا لتولى المنصب الشـاغر، منصب الخـلافـة الجـليل، فقبل تجشم تبعـاتهـا فـى هذه الظروف الدقيقـة، وكـان قبوله لها ضربًا من ضروب الفروسية والشجاعة، والاحتساب عند الله، والنزول على رغبة كبار الصحابة
كـان عـلى بن أبى طالب هو أول خليفة يخطب قبل البيعة، وكانت خـطبــة قصيرة، أشهد الله عـليهم، وأشهدهم عـلى أنفسهم أنهم هم الذين ألحوا عـليه تقبـل أمرٍ كـان له كارهًا، لتبعاته ومسئولياته، فلما وافـقوا بـايعوه، ولهذا كـان عـليه أن يخطب مرة أخرى خطبـة يوضح فيهـا أسـلوبه فـى الحكم، فقال: إن الله أنزل كتابًا هاديًا، بين فيه الخير والشر، فخذوا بالخير ودعوا الشر، الفرائض الفرائض أدوها إلى الله تعـالى يؤدكم إلى الجنة، إن الله حرم حرمات غير مجهولة، وفضل حـرمــة المـســلم عـلى الحرم كـلهـا، وشد بـالإخـلاص والتوحيد حقوق المسـلمين، فـالمسـلم من سـلم المسـلمون من لسانه ويده إلا بالحق، لا يحـل دم امرئ مسـلم إلا بمـا يجب، بـادروا أمر العامة، وخاصة أحدكم الموت، فـإن النـاس أمـامكم، وإن من خـلفكم الساعة تحدوكم تخففوا تـلحقوا، فـإنمـا ينتظر النـاس أخراهم، اتقوا الله عبـاد الله فـى بـلاده وعبـاده، إنكم مسئولون حتـى عن البقـاع والبهـائم، أطيعوا الله فـلا تعصوه [واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون فى الأرض.[الأنفال 26
خـطبــة قـصيرة منـاسبـة للمقـام وللظرف الذى قيـلت فيه، فقد بدأهـا بـالتذكير بالله، وحث المسلمين على عمل الخير وتجنب الشر، وحذرهم حـرمــات الله والوقـوع فيهـا، وأهمهـا حرمـة دم المسـلم، ولعـله بذلك يعرض بقتـلة عثمان ويحدد موقفه من هذه الفعلة الشنعاء، وأنه لن يتساهل فى القصاص منهم، وإقامة الحد عليهم
على والقرارات الصعبة
تمت بيعـة على بن أبى طالب فى اليوم الخامس والعشرين من شهر ذى الحجـة سنـة 35 هـ فـاستقبـل بخـلافته عام 36هـ، وكان عليه أن يـواجـه المـوقـف العصيب، الذى نتج عن استشهـاد أمير المـؤمنين عثمـان بن عفـان، بـاتخـاذ قرارات صعبـة تجاه عدد من المعضلات، التى كان أولها
- القـصــاص مـن قـتــلة عثمـان - رضـى الله عنه - وكـان ذلك مطـلب الصـحـابـة، ففـى أول يوم من خـلافته ذهب إليه طـلحـة والزبير، وطـالبـاه بإقامة الحد على القتلة، وكان هو مقتنعًا بذلك، ولذلك قال لهمـا: يـا إخوتـاه إنى لست أجهل ما تعلمون ولكن كيف أصنع بقوم يمـلكوننـا ولا نمـلكهم ؟ هـاهم هـؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليـهم أعـرابـكم، وهـم خــلالكـم -أى يـعيـشون بـينـكم يـسومـونكم ما شاءوا - أى يسيطرون عليكم - فهل ترون موضعًا لقدرة على شىء مما تريدون ؟ قالوا: لا، قال: فلا والله لا أرى إلا رأيًا ترونه أبدًا
ويتضح من هذا أن عـلى بن أبى طالب لم يكن أقل من غيره حرصًا عــلى إقـامـة الحد عـلى قتـلة عثمـان، و لكن الظرف الذى هم فيه لا يـمكـنه مـن ذلك، فــإذا كــان الذين نفذوا القتـل فـى عثمـان عددًا مـحدودًا، و هـم الغــافـقــى بـن حـرب، ومـعه سـودان بن حمران وكنـانـة بن بشر التجيبـى، فإن وراءهم نحو عشرة آلاف من الثوار الذيـن ضــللوهـم، وهـم مـستعدون للدفـاع عنهم، ولذلك عندمـا كـانوا يسمعون قائلا يقول: من قتل عثمان ؟ كان هؤلاء جميعًا يصيحون: نـحن جميعًا قتـلنـاه، ولذا كـان رأى الإمـام التريث حتـى تهدأ الأمور، ويعود النـاس إلى بـلادهم، حتـى يتمكن من التحقيق فى الأمر وإقامة الحـد، وقـد اقتنع الصحـابـة بهذا الحـل، لكن الأمور تطورت تطورًا آخر على غير ما يهوى الجميع
- وتغيير كـل ولاة عثمان على الولايات الكبرى: مصر والشام، والكوفـة، والبصرة حتـى تهدأ الفتنـة. وقد اتخذ على بالفعل قرارًا بذلك، فعزل معـاويـة بن أبـى سفيـان عن الشـام، وعين بدلا مـنه سهـل بن حنيف، وعزل عبد الله بن سعد بن أبـى السرح عن مـصر وعين بدلا منه قيس بن سعد بن عبـادة، وعزل عبد الله بن عـامر عن البصرة وعين بدلا منه عثمـان بن حنيف، وعزل أبـا موسى الأشعرى عن الكوفة، وعين بدلا منه عمارة بن شهاب
وهـذا القـرار الخـطيـر راجـعه فيه أقرب النـاس وأخـلصهم له، ابن عمه عـبد الله بن عبـاس، ونصحه بـالانتظـار فترة ولو لمدة سنـة، لتكون الأمور قد هدأت واستقرت، ويتم التغيير فـى ظرف مناسب، لكن الإمام أصر عـلى تنفيذ قراره محتجًا بـأن هـؤلاء الثوار ثـاروا غضبًا من ولاة عثمـان، سواء أكانوا مخطئين أم مصيبين، ولن تهدأ ثورتهم إلا إذا عُزِلوا
وإزاء إصـرار عــلى - رضـى الله عنه - عـلى تنفيذ قراره، اقترح ابن عبـاس أمرًا آخر، بـأن يعزل من يشـاء من الولاة، ويُبقـى معـاوية عـلى ولاية الشام، وكان اقتراحًا ذكيًا وجيهًا، فمعاوية لم يكن موضع شـكوى أحـد مـن رعـيتـه، ولم يشترك أهـل الشـام فـى الثورة عـلى عثمـان وقتـله، وعـلى هذا فـلو أقره عـلىّ فـى ولايـة الشام، فلن يـلومه أحد، وكـان ابن عبـاس يعرف من ناحية أخرى أن معاوية لن يذعن لقرار العزل، و سيبقـى فـى لايته، مسببًا متاعب كثيرة، ومع هذا صمم الإمـام على بن أبى طالب على عزل ولاة عثمان جميعًا بما فيهم معاوية
بـدأ الولاة الجـدد يـتجـهون إلى ولايــاتـهم لمبـاشرة أعمـالهم، فذهب قيس بن سعد إلى مصر، ودخـلها بدون متاعب؛ لأن واليها القديم عـبدا لله بـن سـعد تـركـهـا منذ عـلمه بمقتـل عثمـان، وذهب إلى فــلسـطيـن، واعـتزل الفتنـة، وبقـى هنـاك حتـى مـات فـى مدينـة عسقلان سنة 37هـ
وكـذلك دخــل عـثمــان بن حنيف البصرة، وتولى شئونهـا بدون مـشـاكـل؛ لأن واليهـا عبد الله بن عـامر كـان قد تركهـا وذهب إلى مكة
أمــا عـمــارة بـن شهـاب فـلم يمكنه أهـل الكوفـة من دخولهـا، وتـمسـكوا بواليهم أبـى موسـى الأشعرى، فوافق الإمـام عـلى على ذلك، وأقر عليهم أبا موسى الأشعرى
وكذلك لم يستطع سهـل بن حنيف دخول الشـام، فقد منعه معاوية بن أبـى سفيـان، رافضًا قرار العزل. وهنـا لم يعـامـل الإمام على الشــام معـامـلة الكوفـة، فـإنه رفض إقرار معـاويـة فـى ولايـة الشـام، مع أن تمسك أهـلهـا به كـان أشد من تمسك أهـل الكوفـة بأبى موسى الأشعرى
بين على ومعاوية
دارت مراسـلات عديدة بين عـلى ومعـاويـة - رضـى الله عنهمـا - يطـلب الأول من الآخر مبـايعته بـالخـلافة، والإذعان لأوامره، باعتباره الخـليفة الشرعى الذى بايعه معظم الصحابة فى المدينة، على حين يطـلب الثـانـى من الأول القصـاص من قتـلة عثمـان، بـاعتباره ولى دمه، لأنه ابن عمه، وبعدها ينظر فى بيعته
ولم تكن وجهـة نظر الإمام فى قضية القصاص رافضة، لكنه كان يرغب فـى تـأجيـلهـا حتـى تتهيأ الظروف المناسبة، ولكن معاوية تمسك بالقصاص أولا، وجعله شرطًا لازمًا يسبق البيعة
ولمـا لم تـؤد الاتصـالات بينهما إلى نتيجة، وصلت رسالة من معاوية إلى عــلى تـتضـمن جمـلة واحدة، هـى: من معـاويـة إلى عـلى، بعثهـا معـاويـة بيضـاء مع رجـل يدعى قبيصة من بنى عبس، وأمره أن يدخـل بها المدينة، رافعًا يده حتى يراها الناس، ويعلموا أن معـاويـة لم يبايع عليًّا، إذ يخاطبه باسمه فقط دون أن يصفه بأمير المؤمنين
وأدرك عـلىٌّ رضـى الله عنه- أن حمـل معـاوية على البيعة سلمًا غير ممكن، فـأخذ يعد العدة لحمـله عـلى البيعـة بـالقوة، باعتباره خارجًا عـلى طـاعـة الخـليفة، على الرغم من أن كثيرين نصحوه بعدم اللجوء إلى الحـرب لعـواقبهـا الوخيمـة، ومن بينهم ابنه الحسن لكن الإمـام عــلى أصـر عــلى مـوقفه، وبينمـا هو يستعد لذلك، جـاءته أخبـار أخـرى مفزعـة من مكـة، تخبره بمسير عـائشـة وجمـاعتهـا إلى البصرة
موقعة الجمل 36هـ
كانت أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها – عائدة من أداء فريضة الحـج، وسـمعـت بـمقتـل عثمـان، فعـادت من الطريق إلى مكـة، وأعـلنت سخطهـا عـلى قتـله، وأخذت تردد قُتل والله عثمان مظلومًا لأطـلبن بدمه، ثم وافـاهـا فـى مكة طلحة و الزبير - رضى الله عـنهـمــا - وبـنو أمـيـة، وكـل من أغضبه مقتـل عثمـان، وراحوا يتبـاحثون فـى الأمر، وهداهم تفكيرهم إلى تجهيز جيش للأخذ بـالثـأر مـن قتـلة عثمـان والسير به إلى البصرة، بـاعتبـارهـا أقرب بـلد إليهم من البـلاد التـى اشترك أهـلها فى الثورة على عثمان وقتله، وكــان هـذا اجـتهــادًا منهم مجـانبًا للصواب، لأنهم بهذا العمـل كـأنهم
أقــاموا حكومـة أخرى غير حكومـة الإمـام، المبـايع شرعًا من الأمـة، والمـنوط بـه وحـده إقــامـة الحدود والقصـاص من القتـلة، وربمـا كـان الأفضـل من هذا أن يتوجهوا إلى المدينـة، ليشدوا من أزر الخـليفـة فـى هذا الوقت العصيب الذى تمر الأمـة به، ويتشاوروا معه فى إيجاد طريقة لحل المشكلات التى تواجهها الأمة
و صــلت أخـبـار سير عـائشـة ومن معهـا إلى عـلى وهو يتـأهب للخروج إلى الشـام لقتـال معـاويـة، فـاضطر إلى تغيير خطته، فلم يــعـد مـمكـنًا أن يـذهـب إلى الشـــام، ويـترك هـــؤلاء يـذهـبون إلى البصرة، فاستعد للذهاب إلى هناك
خرجت السيدة عـائشـة - رضـى الله عنهـا - ومعهـا فى البداية نحو ألف رجــل لكـن هذا العدد تضـاعف عدة مرات، بـانضمـام كثيرين إلى الجيش، نظرًا إلى مكانة عائشة، فلما اقتربوا من البصرة، أرسل واليـهــا عثمـان بن حنيف إلى أم المـؤمنين عـائشـة رسولين من عنده، همـا عمران بن حصين وأبو الأسود الدؤلى يسـألانهـا عن سـبب مـجيـئهــا. فقـالت لهمـا: إن الغوغـاء من أهـل الأمصـار ونزاع القـبــائـل غزوا حرم رسول الله صـلى الله عـليه وسـلم، وأحدثوا فيه الأحـداث وآووا فـيه المـحدثـين، واسـتوجـبوا لعـنــة الله ورسـوله، مع مــا نــالوا مـن قـتــل إمــام المسـلمين، بـلا ترة ولا عذر، فخرجت فـى المسلمين، أعلمهم ما أتى هؤلاء
و كـذلك ســأل الرسولان طـلحـة و الزبير - رضـى الله عنهمـا - عن سـبب مـجيئهمـا، فقـالا: الطـلب بدم عثمـان، فرجع الرجـلان وأخبرا عـثمـان بن حنيف، فقـال: إنـا لله وإنـا إليه راجعون ! دارت رحـى الإسـلام و رب الكعبة، وأصرَّ على منعهم من دخول البصرة، فدارت بـينـه وبـينـهم معركـة عند مكـان يُسمـى الزابوقـة قُتـل فيهـا نحو ستمائة من الفريقين، فلما رأوا كثرة القتلى تنادوا إلى الصلح والكف عن القتـال، وانتظـار قدوم الإمـام عـلى إلى البصرة، و تم الصلح عـلى أن يتركوا للوالى دار الإمـارة والمسجد وبيت المـال، وينزلوا هم فى أى مكان بالبصرة
وصول على إلى البصرة
وصـل عـلى إلى البصرة وعـلم بمـا حدث من سفك الدمـاء و هـاله ذلك، فـأرسـل عـلى الفور القعقـاع بن عمرو التميمـى إلى معسكر عـائشة و طلحة و الزبير، ليعرف ماذا يريدون، فقالت عائشة رضـى الله عنهـا -: خرجنـا لنصلح بين الناس، وكذلك قال طلحة و الزبير، فسـألهم مـا وجه الإصـلاح الذى تريدون، قـالوا: قتـلة عثمـان، قـال: لقد قتـلتم ستمـائـة من قتلة عثمان، فغضب لهم ستة آلاف مـن قـبـائـلهم، وكنتم قبـل ذلك أقرب إلى السـلامـة منكم الآن، قـــالوا: فـمـــاذا تـرى أنـت ؟، قـــال: أرى أن هـذا الأمـر دواؤه التسكين، واقترح عليهم تجديد البيعة لعلى، ومقابلته، والتفكير بعد ذلك فيما يصلح المسلمين، فقبلوا
ومعنـى ذلك أن الجميع كـانوا راغبين، فـى الإصلاح، كل على حسب اجتهـاده، لكن عنـاصر الشر التـى كـانت ل اتزال فـى معسكر عـلى هى التى أفسدت السعى الذى قام به القعقاع
أتباع ابن سبأ يفسدون الصلح ويبدءون المعركة
كانت نقطة الضعف التى فى معسكر الإمام على هى وجود كثيرين ممن اشتركوا فى قتل عثمان والتخطيط له، وعلى رأسهم عبد الله
بن سبأ، و الأشتر النخعى، ولم يكن لعلى حيلة فى وجودهم معه، ولا قدرة عـلى إبعـادهم، لكونهم قوة كبيرة تساندهم عصبات قبلية، و قد أدرك زعمـاؤهم الذين تولوا كبر الثورة عـلى عثمان أن الصلح بـين الفـريـقيـن سيجعـل عـليًّا يتقوى بـانضمـام الفريق الآخر إليه، ويقيم الحد عليهم باعتبارهم قتلة عثمان، فعزموا على إفساد الأمر كله
و تـرتـب عــلى هذا العزم أن عقد ابن سبـأ لهم مـؤتمرًا تدارسوا فيه الأمـر، فـاقترح الأشتر أن يقتـلوا عـليًا كمـا قتـلوا عثمـان من قبـل، فتهيج الدنيـا من جديد، ولا يقدر عـليهم أحد، لكن هذا الاقتراح لم يعجب ابن سبـأ، فهو يريد أن يدخل الأمة كلها فى حرب طاحنة، لا أن يقتـل فرد واحد وإن كـان خـليفة المسلمين، فأمرهم بشن هجوم فـى ظـلام الليـل عـلى جيش عائشة و طلحة و الزبير، بدون علم الإمـام عـلى، فـاستجابوا لرأيه، وبينما الناس نائمون مطمئنون بعد أن رأوا بـوادر الصــلح تــلوح فــى الأفـق، إذا بهم يفـاجئون بقعقعـة السـلاح، وكـانت هذه هـى بدايـة حرب الجمـل المشئومـة التى راح ضحيتهـا خيرة الصحـابـة طـلحـة والزبير المبشران بـالجنة، ونحو عشرين ألفًا من المسلمين
أسباب خروج عائشة ومن معها
لم تـكن أم المــؤمـنين عـائشـة، و لا طـلحـة و لا الزبير ولا أمير المــؤمـنيـن عــلى يريدون سفك الدمـاء، و لا يتصورون حدوث ذلك، و كــل مــا دفـع السـيدة عــائشـة ومن معهـا إلى الخروج إنمـا هو اقتناعهم بأن عثمان قُتل مظلومًا، وعليهم تقع مسئولية إقامة الحد عــلى قـتــلتـه، ولم يـكونـوا أبـدًا معـادين لعـلى، أو معترضين عـلى خلافته، وقد رأينا ميلهم جميعًا إلى الصلح، لولا أن أتباع ابن سبأ السـبئـيــة أفـسدوا كـل شـىء وأشعـلوا الحرب، و لقد ندمت السيدة عـائشـة ندمًا شديدًا عـلى مـا حدث، و قـالت: والله لوددت أنـى مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة
وخـلاصة القول أن تبعة هذه المأساة تقع على عاتق السبئية، فهم الذيـن أشـعــلوا الفـتنــة من البدايـة، وقتـلوا خـليفـة المسـلمين ظـلمًا، وأشـعــلوا حـرب الجمـل، أمـا الصحـابـة، فقد وصف ابن خـلدون مـوقفهم وصفًا دقيقًا، فقـال: وإذا نظرت بعين الإنصـاف عذرت القوم أجـمعـين، وعـــلمـت أنـهــا كــانـت فـتنــة ابـتــلى الله بـهــا الأمــة
معركة صفين
بعد معركـة الجمـل توجه عـلى ابن أبـى طـالب بجيش يبلغ عدده نحو مـائة ألف إلى صفين، واستعد معاوية لمقابلته بجيش يقاربه فـى العدد، ودارت بينهمـا معركـة شرسـة فـى شهر صفر سنة 37هـ قُتِل فـيهــا مـن الجــانبين نحو سبعين ألفًا، خمسـة وعشرين ألفًا من جيش عـلى، وخمسـة وأربعين ألفًا من جيش معـاويـة، و لما رأى النـاس كثرة القتـلى من الجـانبين تنـادوا يطـلبون وقف القتال، فجعل أهــل العـراق جـيش عــلى يـصيـحون فــى أهــل الشـام جيش معـاويـة قائلين: من لثغور العراق إن فنى أهل العراق. ويرد الآخرون: من لثغور الشـام إن فنـى أهـل الشام ومن هنا جاءت فكرة التحكيم
التحكيم
رفع جيش معـاويـة المصـاحف للاحتكـام إليهـا، ووقف القتال فورًا، بـدلا مـن سـفك الدمــاء، وكــانـت فـكرة التـحكـيم مـن عند عمرو بن العــاص، و قد قبـلهـا الطرفـان، و أوقفت الحرب، بعد أن فزع النـاس لكثرة عدد القتلى
أوقـفت الحـرب، وطـلب من عـلى ومعـاويـة أن ينيب كـل منهمـا شخصًا يتفـاوض بـاسمه، للفصـل فـى القضـايـا محـل الخـلاف، فأناب معـاوية عمرو بن العاص، وأناب على أبا موسى الأشعرى عـلى كره منه وذلك فى شهر صفر 37هـ وكان على قد حاول أن يـنيـب عـنه عـبد الله بـن عبـاس، لكن أنصـاره، وبخـاصـة من أبنـاء اليـمن بـزعــامــة الأشـعث بـن قيس، رفضوا ذلك بحجـة عصبيـة، وأعــلنـوهـا صراحـة، كيف يكون الخـلاف بين رجـلين من قريش، ثم يـكون الحـكمــان رجــلين من قريش أيضًا، لقد حسدوا قريشًا عـلى زعـامتهـا للدولة الإسـلاميـة التـى استحقتهـا بسابقتها فى الإسلام، لا بنسبها فقط. واتـفق عـلى أن يـأخذ الطرفـان مهـلة مدتهـا ستـة أشهر، تهدأ فيهـا النفوس، ويجتمع الحكمان للتباحث والوصول إلى حل، وبعد مفاوضات طويـلة وصـل الحكمـان إلى نتيجـة رأيـاها أفضل الحلول، وهى عزل عـلى -رضـى الله عنه- عن الخـلافـة، ورد الأمر إلى الأمـة تختـار من تشاء، أما التصرف العملى فى إدارة البلاد التى كانت تحت يد كل من الرجـلين المتحاربين، فيبقى كما كان: على يتصرف فى البلاد التى تحت حكمه وهـى كل الدولة الإسلامية عدا الشام ومعاوية يتصرف فى البلاد التى تحت حكمه الشام
موقف على وأنصاره من التحكيم
اجـتهـد الحـكمــان فيمـا توصـلا إليه، وأعـلنـاه عـلى النـاس، غير أن عــليًّا - رضـى الله عنه - لم يقبـل تـلك النتيجـة، واعتبر الحكمين قد تجـاوزا حدودهما؛ لأن الخلاف لم يكن على منصب الخلافة، وإنما على إقـامـة الحد عـلى قتـلة عثمـان، وبيعـة معاوية له، أيهما يسبق الآخر، ولذلك عدَّ نفسه فى حل من هذه النتيجة، فعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل التحكيم، أى إلى حالة الحرب
ظهور الخوارج
حـاول عـلى أن يدعو أنصـاره إلى حرب معاوية من جديد لكنهم كـانوا قد ملوا القتال، وتقاعسوا عنه، بل إنهم انقسموا إلى شيعة
وافـقوه عــلى مــا صـنع وخـوارج اعتبروا التحكيم كـان خـاطئًا من أسـاسه، مع أنهم هم الذين فرضوه عـليه، ثم تجاوزوا ذلك إلى ما هو أكثر تطرفًا، فـاتهموا عـليًّا بـالكفر، لأنه حكَّم الرجال فى القرآن، وصـاغوا شعـارًا أخذوا يرددونه الحكم لله لا لك يـا على، وكان هو يقول لهم: كـلمـة حق أريد بهـا بـاطـل، وطـالبوه بـأن يعـلن كفره، ويتوب ويسلم من جديد، حتى يعودوا إليه ويقاتلوا معه، فإذا لم يفعل فسوف يقاتلونه
ولا يـمكـن لمـســلم أن يتصور كيف يُكفَّر رجـل من صحـابـة رسول الله المـبشـريـن بـالجنـة، وممن رضـى الله عنهم تحت الشجرة فـى بيعـة الرضوان، وإزاء هذا التطرف من الخوارج اضطر الإمـام أن يحاربهم فـى معركـة شهيرة تُسمـى معركة النهروان بالقرب من الكوفة، وبعدهـا لم يستطع أن يجمع شمـل أنصـاره لقتـال معاوية من جديد كما كان يريد، بل أجبرته الظروف على التفاهم والاتفاق معه
الاتفاق بين على ومعاوية
بـعد انـقســام جـبهــة عـلى إلى شيعـة وخوارج ازداد موقفه ضعفًا؛ لأن صراعه مع الخوارج كبده متـاعب جسيمـة، وفـى الوقت نـفسه كـان موقف معـاويـة يزداد قوة، وبخـاصـة بعد أن استطـاع الاستيـلاء على مصر سنة 38هـ، بجيش قاده فاتحها الأول عمرو بن العاص، ونشر قوات له فى أطراف العراق، وضم اليمن إليه، و أصـبحـت دولته تتسع بمرور الزمن، فـى الوقت الذى تضيق فيه دولة على
وانتهـى الأمر بـأن جرت بينهمـا مفـاوضـات طويـلة، اتفقـا عـلى وضع الحرب بينهمـا وتكون لعـلى العراق وبلاد فارس ولمعاوية الشام فلا يدخـل أحدهمـا عـلى صاحبه فى عمله بجيش ولا غارة.. وتراضيا على ذلك.. وهـكذا أجـبرت الظروف التـى تكون أحيـانًا أقوى من الرجـال عـلى بن أبـى طـالب أن يصـالح معاوية، ويسلم له بنصف الدولة الإسـلاميـة تقريبًا، يحكمهـا حكمًا مستقلا، وهو الذى رفض فى بادئ الأمر إبقاءه واليًا على الشام وحدها يأتمر بأمره، وينتهى بنهيه
إدارة الدولة وتثبيت الفتوحات فى عهده
عـلى الرغم من الظروف الصعبـة التى واجهت الإمام عليًّا -رضى الله عنه- فـإنه أدار الدولة بـاقتدار وعدالة ونزاهـة وتجرد، ولم يقصر فـى شـأن من شئونها، واتخذ من الكوفة عاصمة لدولته منذ أن خرج من المدينـة إلى البصرة وبعد معركة الجمل، وظل يحكم منها إلى أن لقـى الله، وعهد بـإدارة بقيـة أجزاء دولته إلى أقرب النـاس إليه، وأخـلصهم له، فجعـل عبد الله بن عباس واليًا على البصرة وأخاه عبيد الله بن عبـاس واليًا عـلى اليمن، وأخـاهمـا الثـالث قثم بن عبـاس على مكة والطائف، وعزل قيس بن سعد عن مصر، وولى مكانه محمد بن أبى بكر الصديق
ولا لوم عـلى عثمـان وعلى إذا وليا أهل قرابتهما؛ لأن كل واحد منهمـا اجتهد لمصـلحـة الأمـة، وكـان أمينًا عليها، فعهد بإدارة الدولة إلى من رأى أنهم ينفذون سيـاسته، ولم يولِّ أى منهمـا أحدًا محاباة أو لقرابة
ولم تـشغــل الإمــام عــليًّا مـشكــلات الدولة الداخــليـة عن التصدى
لمـحــاولات الانتقـاض التـى حدثت فـى بـلاد فـارس، فقد حـاول الفرس تـكرار مــا فـعـلوه بعد استشهـاد عمر بن الخطـاب، فـأرسـل إليهم زيـاد بن أبيه فـى جمع كثير، فوطئ بهم أهـل فارس، وكانت قد اضـطرمـت، فــلم يـزل يـبعـث إلى رءوسـهم، يـعد مـن ينصره ويعينه، ويـخوّف مـن امـتنـع عــليـه، وضرب بعضهم ببعض، فدل بعضهم عـلى عـورة بعض، وهربت طـائفـة، وأقـامت طـائفـة، فقتـل بعضهم بعضًا، وصفت له فارس، فلم يلقَ منهم جمعًا ولا حربًا
أمــا الروم فـلم يتحركوا؛ لأن الإمبراطور قنسطـانز لمـا عرض عـليه بـعض قـواده أن يـنتـهزوا فـرصــة الحـروب التــى جـرت بين عـلى وأصحـاب الجمـل، وبينه وبين معـاويـة، ويغيروا من جديد عـلى مـصر والشــام، رفـض الإمـبراطـور مـعــللا ذلك بــأن غزوه لمصر والشـام سيجعل المسلمين يتصالحون ويتحدون ويقاتلوننا جميعًا، ولن نـقوى عـليهم، فخير لنـا أن نتركهم يقتـل بعضهم بعضًا حتـى يضعف شأنهم
استشهاد على رضى الله عنه
جاءت نهاية الإمام على بن أبى طالب على يد الخوارج، أنصاره الســابـقيـن، الذيـن بـلغ بهم الغـلو والتطرف حدًا اعتبروا فيه عـليًّا ومعـاويـة وعمرو بن العـاص أئمـة ضـلالة، وحمَّلوهم مسئولية ما حـدث، وقـرروا قتـل الثـلاثـة جميعًا، واتفقوا أن يتم التنفيذ فـى وقت واحد، هو فجر اليوم السـابع عشر من شهر رمضان سنة 40هـ؛ تيمنًا بـذكـرى مـعركــة بـدر حـسب تـصور نـفوسـهم المـريـضـة وعقولهم الفــاسـدة، وانـتدبـوا ثـلاثـة للقيـام بهذه المهمـة، هم عبد الرحمن بن ملجم، والبرك بن عبد الله، و عمرو بن بكر، على أن يذهب الأول إلى الكوفـة لقتل على، و الثانى إلى دمشق لقتل معاوية، والثالث إلى مصر لقتل عمرو بن العاص
وشـاءت إرادة الله - تعـالى - أن ينجو معـاوية و عمرو من القتل، و أن تـكون الشـهــادة من نصيب عـلى، حيث ضربه عبد الرحمن بن مــلجم بسيف مسموم فـى جبهته، فشقهـا فمـات من أثر الضربـة بعد وقت يسير، بعد أن قضـى أربع سنوات وبضعـة شهور، لم يذق فيهـا طعم الراحـة، وحاصرته المشكلات والمتاعب، وأنهكته الحروب من كل جانب
خـلافـة الحــــســن بــن عــلى: 40 - 41هـــــ
وبعد وفـاة الإمـام على بايع أنصاره ابنه الحسن، وكان جندب بن عبد الله قد دخل على الخليفة بعد طعنه وتيقن ألا أمل فى حياته، وسـأله: يـا أمير المـؤمنين إن فقدناك - ولا نفقدك - أنبايع للحسن ؟ فقال: ما آمركم و لا أنهاكم، أنتم أبصر، ولم يوصِ لأحد من بعده، بل قــال لهـم: و لكن أدعو الله - تعـالى- أن يجمعكم بعدى عـلى خيركم كـمــا جـمعـنـا بعد نبينـا عـلى خيرنـا -يقصد أبـا بكر-، مرسخًا بذلك قـاعدة الشورى التـى اتُبِعَت فى بيعته هو وبيعة الثلاثة الراشدين من قبله
أراد أنـصـار الحسن أن يتـأهبوا لقتـال معـاويـة من جديد، لكنه رفـض، ورأى عـدم جـدوى ذلك، بـــل إنـه وقـف ضـد فـكرة اقـتتــال المسلمين من البداية
راســل الحـسن مـعـاويـة بشـأن الصـلح، فسر به سرورًا عظيمًا، وجــاء إلى الكـوفــة فـى شهر ربيع الأول سنـة 41هـ، بعد ستـة أشهر من خـلافـة الحسن، وبـايعه الحسن والحسين، وتبعهما النـاس، وبهذا قـامت الدولة الأمويـة رسميًّا، وأصبح معـاويـة خليفة للأمـة الإسلامية كلها، ولُقب لأول مرة بأمير المؤمنين، وكان يلقب قبل ذلك بالأمير فقط
اسـتبـشر المسـلمون خيرًا بتـلك المصـالحـة، وحمدوا الله عـلى انتهـاء الفتنـة وسفك الدمـاء، وسمُّوا ذلك العـام عام الجماعة، وترك صنيع الحـسن صـدى طـيبًا عند جمهور المسـلمين، وأثنـى عـليه كثير من عـلمـاء أهـل السنة، ورأوا فيما فعل تحقيقًا لنبوءة جده محمد صلى الله عـليه وسـلم، الذى قـال ابنـى هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين
__________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
هـو عــلى بن أبـى طـالب بن عبد المطـلب بن هـاشم بن عبد منـاف، وأمـه فــاطـمــة بـنت أسـد بـن هـاشم، وهـى أول هـاشميـة ولدت هـاشميًّا، وقد أسـلمت وهـاجرت إلى المدينـة، وهو ابن عم النبي صـلى الله عـليه وسـلم، وتربـى فى بيته، لأن أباه كان كثير العيال قـليـل المـال، فـأراد النبي أن يخفف عن عمه أعبـاء المعيشة، فأخذ عليًّا ليعيش معه فى بيته، وكان عمره يومئذٍ ست سنوات، فشاءت إرادة الله أن يـنشــأ عــلى فــى بـيت النبوة، فوقـاه الله أرجـاس الجاهلية، فلم يسجد لصنم قط، وكان أول من أسلم من الصبيان
صفته
كـان عـلى بن أبى طالب ربعة من الرجال، يميل إلى القصر، أسمر اللون، حـسن الوجـه واسـع العـينـين، أصـلع الرأس، عريض المنكبين، غزير اللحية، قوى الجسم
عُرف عـلى بن أبـى طـالب بـالشجـاعـة والعـلم الغزير، والزهد فى الدنـيــا مـع القـدرة عــليهـا، وكـان واحدًا ممن حفظوا القرآن كـله من الصحـابـة، وعرضوه عـلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أكثرهم معرفـة بـالقرآن و بتفسيره وأسباب نزوله، و أحكامه، و كان من كتاب الوحــى، و لذا اخـتص فــى سـيرتـه بـلقب الإمـام لأفضـليته العـلميـة والفـقهيـة، وكـان أقضـى الصحـابـة رضـى الله عنهم جميعًا، واشتهر بالفصاحة والخطابة وقوة الحجة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد تـآخـى الرسول صـلى الله عـليه وسـلم مع على بعد الهجرة، ثم زوجـه ابـنتـه فــاطمـة، وأنجب منهـا الحسن والحسين، وهمـا اللذان حفظا نسل الرسول صلى الله عليه وسلم
شهد على المشاهد كلها –عدا تبوك – مع رسول الله صلى الله عليه وسـلم، فكـان فـى طـليعـة من صرعوا المشركين فى بدر، وواحداً مـن الذيـن ثـبتـوا مـع رسـول الله صــلى الله عـليه وسـلم فـى غزوة أحـد، وحـمــل اللواء عـندمــا سـقط مـن يـد مـصعب بن عمير بعد استشهـاده، حمله بيده اليسرى، وظل يقاتل بيده اليمنى، وصرع فى غزوة الخندق عمرو بن عبد ود فـارس قريش والعرب كـلها عندما لم يـقدم أحد عـلى مبـارزته وأعطـاه الرسول صـلى الله عـليه و سـلم الرايـة يوم خيبر، و قـال: لأعطين اللواء غدًا رجلا يحب الله ورسوله ويـحبـه الله ورسـوله، وأخـبر أن الفـتح سيكون عـلى يديه، وتحقق ذلك، وثبت مع من ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فى حنين
وفـى غزوة تبوك خـلفه النبي صـلى الله عـليه وسـلم فـى أهـله يرعـى مصـالحهم وشئونهم، ولما تأذى من ذلك، وقال: يا رسول الله، تخـلفنـى فـى النسـاء والصبيـان؟!، فقـال له النبي صـلى الله عـليه وسـلم: أمـا ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نـبـى بعدى ؟، إشـارة من النبي إلى أن موسـى عندمـا ذهب لمنـاجـاة ربه، ترك أخـاه هارون، خلفًا له فى قومه، كما جاء فى قوله تعـالى : [وقـال موسـى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين [الأعراف: 142
وكان رضى الله عنه موضع ثقة واحترام من الصحابة جميعًا، فكان من أكـبر أعوان أبـى بكر الصديق فـى قمع حروب الردة، ولازم عمر بن الخطـاب، فكـان لا يقطع أمرًا دون مشـاورته، والاستنـارة برأيه، وكــان عـمر يقول: قضيـة و لا أبـا حسن لهـا. و عـاون عثمـان بــالرأى والمشورة مثـلمـا كـان يفعـل مع أبـى بكر وعمر، فـلم يـحجـب عـنه نـصحـه ومـؤازرته فـى الفتنـة التـى أطبقت عـلى الأمـة، وأرسـل أولاده مع بقية أولاد الصحابة لحراسته والدفاع عنه، ثم ذهب بنفسه لمواجهة الأشرار
بيعته بالخلافة
رُوِّعت مدينـة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتل أمير المؤمنين عثمـان بن عفـان - رضـى الله عنه - وعم الناس الهلع والرعب، لهذه الجريمة التى أقدم عليها هؤلاء الأشرار
سيطر الثـائرون عـلى المدينة، وظل الغافقى بن حرب زعيم ثوار مصر، وأحد كبـار زعمـاء الفتنـة يصـلى بـالنـاس إمـامًا فـى مسجد رسول الله صـلى الله عـليه وسـلم خمسـة أيـام، والدولة كـلهـا بدون خـليفـة، ولم يكن فـى وسع أحد من الثوار أن يرشح نفسه لهـا، لأنهم يعلمون أن هذا الأمر يخص المهاجرين وحدهم
وبدأ الثـائرون يعرضون منصب الخـلافة على كبار الصحابة: على بن أبــى طــالب، وطــلحــة بن عبيد الله، وسعد بن أبـى وقـاص، و الزبـير بـن العـوام، وعـبدا لله بـن عـمر بـن الخـطــاب، فـرفضوا جميعًا، وسمـاهم عـلى بن أبى طالب الثائرين ولعنهم على فعلتهم الشنعـاء، فهددهم الثـائرون بقتـلهم جميعًا كمـا قتلوا عثمان إن لم يقبل أحدهم منصب الخلافة
وفـى مثـل هذه الظروف العصيبـة كان لابد من رجل شجاع غير هياب، يـتقـدم الصـفوف لحمـل الأمـانـة وسط الأخطـار المحدقـة بهـا، واتجهت الأنظـار إلى عـلى بن أبـى طـالب، وتعلقت به الآمال، ترجوه تحمل المسئوليـة، وقيـادة الركب إلى بر الأمـان، وألح عـليه كبـار الصحابة إلحـاحًا شديدًا لتولى المنصب الشـاغر، منصب الخـلافـة الجـليل، فقبل تجشم تبعـاتهـا فـى هذه الظروف الدقيقـة، وكـان قبوله لها ضربًا من ضروب الفروسية والشجاعة، والاحتساب عند الله، والنزول على رغبة كبار الصحابة
كـان عـلى بن أبى طالب هو أول خليفة يخطب قبل البيعة، وكانت خـطبــة قصيرة، أشهد الله عـليهم، وأشهدهم عـلى أنفسهم أنهم هم الذين ألحوا عـليه تقبـل أمرٍ كـان له كارهًا، لتبعاته ومسئولياته، فلما وافـقوا بـايعوه، ولهذا كـان عـليه أن يخطب مرة أخرى خطبـة يوضح فيهـا أسـلوبه فـى الحكم، فقال: إن الله أنزل كتابًا هاديًا، بين فيه الخير والشر، فخذوا بالخير ودعوا الشر، الفرائض الفرائض أدوها إلى الله تعـالى يؤدكم إلى الجنة، إن الله حرم حرمات غير مجهولة، وفضل حـرمــة المـســلم عـلى الحرم كـلهـا، وشد بـالإخـلاص والتوحيد حقوق المسـلمين، فـالمسـلم من سـلم المسـلمون من لسانه ويده إلا بالحق، لا يحـل دم امرئ مسـلم إلا بمـا يجب، بـادروا أمر العامة، وخاصة أحدكم الموت، فـإن النـاس أمـامكم، وإن من خـلفكم الساعة تحدوكم تخففوا تـلحقوا، فـإنمـا ينتظر النـاس أخراهم، اتقوا الله عبـاد الله فـى بـلاده وعبـاده، إنكم مسئولون حتـى عن البقـاع والبهـائم، أطيعوا الله فـلا تعصوه [واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون فى الأرض.[الأنفال 26
خـطبــة قـصيرة منـاسبـة للمقـام وللظرف الذى قيـلت فيه، فقد بدأهـا بـالتذكير بالله، وحث المسلمين على عمل الخير وتجنب الشر، وحذرهم حـرمــات الله والوقـوع فيهـا، وأهمهـا حرمـة دم المسـلم، ولعـله بذلك يعرض بقتـلة عثمان ويحدد موقفه من هذه الفعلة الشنعاء، وأنه لن يتساهل فى القصاص منهم، وإقامة الحد عليهم
على والقرارات الصعبة
تمت بيعـة على بن أبى طالب فى اليوم الخامس والعشرين من شهر ذى الحجـة سنـة 35 هـ فـاستقبـل بخـلافته عام 36هـ، وكان عليه أن يـواجـه المـوقـف العصيب، الذى نتج عن استشهـاد أمير المـؤمنين عثمـان بن عفـان، بـاتخـاذ قرارات صعبـة تجاه عدد من المعضلات، التى كان أولها
- القـصــاص مـن قـتــلة عثمـان - رضـى الله عنه - وكـان ذلك مطـلب الصـحـابـة، ففـى أول يوم من خـلافته ذهب إليه طـلحـة والزبير، وطـالبـاه بإقامة الحد على القتلة، وكان هو مقتنعًا بذلك، ولذلك قال لهمـا: يـا إخوتـاه إنى لست أجهل ما تعلمون ولكن كيف أصنع بقوم يمـلكوننـا ولا نمـلكهم ؟ هـاهم هـؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليـهم أعـرابـكم، وهـم خــلالكـم -أى يـعيـشون بـينـكم يـسومـونكم ما شاءوا - أى يسيطرون عليكم - فهل ترون موضعًا لقدرة على شىء مما تريدون ؟ قالوا: لا، قال: فلا والله لا أرى إلا رأيًا ترونه أبدًا
ويتضح من هذا أن عـلى بن أبى طالب لم يكن أقل من غيره حرصًا عــلى إقـامـة الحد عـلى قتـلة عثمـان، و لكن الظرف الذى هم فيه لا يـمكـنه مـن ذلك، فــإذا كــان الذين نفذوا القتـل فـى عثمـان عددًا مـحدودًا، و هـم الغــافـقــى بـن حـرب، ومـعه سـودان بن حمران وكنـانـة بن بشر التجيبـى، فإن وراءهم نحو عشرة آلاف من الثوار الذيـن ضــللوهـم، وهـم مـستعدون للدفـاع عنهم، ولذلك عندمـا كـانوا يسمعون قائلا يقول: من قتل عثمان ؟ كان هؤلاء جميعًا يصيحون: نـحن جميعًا قتـلنـاه، ولذا كـان رأى الإمـام التريث حتـى تهدأ الأمور، ويعود النـاس إلى بـلادهم، حتـى يتمكن من التحقيق فى الأمر وإقامة الحـد، وقـد اقتنع الصحـابـة بهذا الحـل، لكن الأمور تطورت تطورًا آخر على غير ما يهوى الجميع
- وتغيير كـل ولاة عثمان على الولايات الكبرى: مصر والشام، والكوفـة، والبصرة حتـى تهدأ الفتنـة. وقد اتخذ على بالفعل قرارًا بذلك، فعزل معـاويـة بن أبـى سفيـان عن الشـام، وعين بدلا مـنه سهـل بن حنيف، وعزل عبد الله بن سعد بن أبـى السرح عن مـصر وعين بدلا منه قيس بن سعد بن عبـادة، وعزل عبد الله بن عـامر عن البصرة وعين بدلا منه عثمـان بن حنيف، وعزل أبـا موسى الأشعرى عن الكوفة، وعين بدلا منه عمارة بن شهاب
وهـذا القـرار الخـطيـر راجـعه فيه أقرب النـاس وأخـلصهم له، ابن عمه عـبد الله بن عبـاس، ونصحه بـالانتظـار فترة ولو لمدة سنـة، لتكون الأمور قد هدأت واستقرت، ويتم التغيير فـى ظرف مناسب، لكن الإمام أصر عـلى تنفيذ قراره محتجًا بـأن هـؤلاء الثوار ثـاروا غضبًا من ولاة عثمـان، سواء أكانوا مخطئين أم مصيبين، ولن تهدأ ثورتهم إلا إذا عُزِلوا
وإزاء إصـرار عــلى - رضـى الله عنه - عـلى تنفيذ قراره، اقترح ابن عبـاس أمرًا آخر، بـأن يعزل من يشـاء من الولاة، ويُبقـى معـاوية عـلى ولاية الشام، وكان اقتراحًا ذكيًا وجيهًا، فمعاوية لم يكن موضع شـكوى أحـد مـن رعـيتـه، ولم يشترك أهـل الشـام فـى الثورة عـلى عثمـان وقتـله، وعـلى هذا فـلو أقره عـلىّ فـى ولايـة الشام، فلن يـلومه أحد، وكـان ابن عبـاس يعرف من ناحية أخرى أن معاوية لن يذعن لقرار العزل، و سيبقـى فـى لايته، مسببًا متاعب كثيرة، ومع هذا صمم الإمـام على بن أبى طالب على عزل ولاة عثمان جميعًا بما فيهم معاوية
بـدأ الولاة الجـدد يـتجـهون إلى ولايــاتـهم لمبـاشرة أعمـالهم، فذهب قيس بن سعد إلى مصر، ودخـلها بدون متاعب؛ لأن واليها القديم عـبدا لله بـن سـعد تـركـهـا منذ عـلمه بمقتـل عثمـان، وذهب إلى فــلسـطيـن، واعـتزل الفتنـة، وبقـى هنـاك حتـى مـات فـى مدينـة عسقلان سنة 37هـ
وكـذلك دخــل عـثمــان بن حنيف البصرة، وتولى شئونهـا بدون مـشـاكـل؛ لأن واليهـا عبد الله بن عـامر كـان قد تركهـا وذهب إلى مكة
أمــا عـمــارة بـن شهـاب فـلم يمكنه أهـل الكوفـة من دخولهـا، وتـمسـكوا بواليهم أبـى موسـى الأشعرى، فوافق الإمـام عـلى على ذلك، وأقر عليهم أبا موسى الأشعرى
وكذلك لم يستطع سهـل بن حنيف دخول الشـام، فقد منعه معاوية بن أبـى سفيـان، رافضًا قرار العزل. وهنـا لم يعـامـل الإمام على الشــام معـامـلة الكوفـة، فـإنه رفض إقرار معـاويـة فـى ولايـة الشـام، مع أن تمسك أهـلهـا به كـان أشد من تمسك أهـل الكوفـة بأبى موسى الأشعرى
بين على ومعاوية
دارت مراسـلات عديدة بين عـلى ومعـاويـة - رضـى الله عنهمـا - يطـلب الأول من الآخر مبـايعته بـالخـلافة، والإذعان لأوامره، باعتباره الخـليفة الشرعى الذى بايعه معظم الصحابة فى المدينة، على حين يطـلب الثـانـى من الأول القصـاص من قتـلة عثمـان، بـاعتباره ولى دمه، لأنه ابن عمه، وبعدها ينظر فى بيعته
ولم تكن وجهـة نظر الإمام فى قضية القصاص رافضة، لكنه كان يرغب فـى تـأجيـلهـا حتـى تتهيأ الظروف المناسبة، ولكن معاوية تمسك بالقصاص أولا، وجعله شرطًا لازمًا يسبق البيعة
ولمـا لم تـؤد الاتصـالات بينهما إلى نتيجة، وصلت رسالة من معاوية إلى عــلى تـتضـمن جمـلة واحدة، هـى: من معـاويـة إلى عـلى، بعثهـا معـاويـة بيضـاء مع رجـل يدعى قبيصة من بنى عبس، وأمره أن يدخـل بها المدينة، رافعًا يده حتى يراها الناس، ويعلموا أن معـاويـة لم يبايع عليًّا، إذ يخاطبه باسمه فقط دون أن يصفه بأمير المؤمنين
وأدرك عـلىٌّ رضـى الله عنه- أن حمـل معـاوية على البيعة سلمًا غير ممكن، فـأخذ يعد العدة لحمـله عـلى البيعـة بـالقوة، باعتباره خارجًا عـلى طـاعـة الخـليفة، على الرغم من أن كثيرين نصحوه بعدم اللجوء إلى الحـرب لعـواقبهـا الوخيمـة، ومن بينهم ابنه الحسن لكن الإمـام عــلى أصـر عــلى مـوقفه، وبينمـا هو يستعد لذلك، جـاءته أخبـار أخـرى مفزعـة من مكـة، تخبره بمسير عـائشـة وجمـاعتهـا إلى البصرة
موقعة الجمل 36هـ
كانت أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها – عائدة من أداء فريضة الحـج، وسـمعـت بـمقتـل عثمـان، فعـادت من الطريق إلى مكـة، وأعـلنت سخطهـا عـلى قتـله، وأخذت تردد قُتل والله عثمان مظلومًا لأطـلبن بدمه، ثم وافـاهـا فـى مكة طلحة و الزبير - رضى الله عـنهـمــا - وبـنو أمـيـة، وكـل من أغضبه مقتـل عثمـان، وراحوا يتبـاحثون فـى الأمر، وهداهم تفكيرهم إلى تجهيز جيش للأخذ بـالثـأر مـن قتـلة عثمـان والسير به إلى البصرة، بـاعتبـارهـا أقرب بـلد إليهم من البـلاد التـى اشترك أهـلها فى الثورة على عثمان وقتله، وكــان هـذا اجـتهــادًا منهم مجـانبًا للصواب، لأنهم بهذا العمـل كـأنهم
أقــاموا حكومـة أخرى غير حكومـة الإمـام، المبـايع شرعًا من الأمـة، والمـنوط بـه وحـده إقــامـة الحدود والقصـاص من القتـلة، وربمـا كـان الأفضـل من هذا أن يتوجهوا إلى المدينـة، ليشدوا من أزر الخـليفـة فـى هذا الوقت العصيب الذى تمر الأمـة به، ويتشاوروا معه فى إيجاد طريقة لحل المشكلات التى تواجهها الأمة
و صــلت أخـبـار سير عـائشـة ومن معهـا إلى عـلى وهو يتـأهب للخروج إلى الشـام لقتـال معـاويـة، فـاضطر إلى تغيير خطته، فلم يــعـد مـمكـنًا أن يـذهـب إلى الشـــام، ويـترك هـــؤلاء يـذهـبون إلى البصرة، فاستعد للذهاب إلى هناك
خرجت السيدة عـائشـة - رضـى الله عنهـا - ومعهـا فى البداية نحو ألف رجــل لكـن هذا العدد تضـاعف عدة مرات، بـانضمـام كثيرين إلى الجيش، نظرًا إلى مكانة عائشة، فلما اقتربوا من البصرة، أرسل واليـهــا عثمـان بن حنيف إلى أم المـؤمنين عـائشـة رسولين من عنده، همـا عمران بن حصين وأبو الأسود الدؤلى يسـألانهـا عن سـبب مـجيـئهــا. فقـالت لهمـا: إن الغوغـاء من أهـل الأمصـار ونزاع القـبــائـل غزوا حرم رسول الله صـلى الله عـليه وسـلم، وأحدثوا فيه الأحـداث وآووا فـيه المـحدثـين، واسـتوجـبوا لعـنــة الله ورسـوله، مع مــا نــالوا مـن قـتــل إمــام المسـلمين، بـلا ترة ولا عذر، فخرجت فـى المسلمين، أعلمهم ما أتى هؤلاء
و كـذلك ســأل الرسولان طـلحـة و الزبير - رضـى الله عنهمـا - عن سـبب مـجيئهمـا، فقـالا: الطـلب بدم عثمـان، فرجع الرجـلان وأخبرا عـثمـان بن حنيف، فقـال: إنـا لله وإنـا إليه راجعون ! دارت رحـى الإسـلام و رب الكعبة، وأصرَّ على منعهم من دخول البصرة، فدارت بـينـه وبـينـهم معركـة عند مكـان يُسمـى الزابوقـة قُتـل فيهـا نحو ستمائة من الفريقين، فلما رأوا كثرة القتلى تنادوا إلى الصلح والكف عن القتـال، وانتظـار قدوم الإمـام عـلى إلى البصرة، و تم الصلح عـلى أن يتركوا للوالى دار الإمـارة والمسجد وبيت المـال، وينزلوا هم فى أى مكان بالبصرة
وصول على إلى البصرة
وصـل عـلى إلى البصرة وعـلم بمـا حدث من سفك الدمـاء و هـاله ذلك، فـأرسـل عـلى الفور القعقـاع بن عمرو التميمـى إلى معسكر عـائشة و طلحة و الزبير، ليعرف ماذا يريدون، فقالت عائشة رضـى الله عنهـا -: خرجنـا لنصلح بين الناس، وكذلك قال طلحة و الزبير، فسـألهم مـا وجه الإصـلاح الذى تريدون، قـالوا: قتـلة عثمـان، قـال: لقد قتـلتم ستمـائـة من قتلة عثمان، فغضب لهم ستة آلاف مـن قـبـائـلهم، وكنتم قبـل ذلك أقرب إلى السـلامـة منكم الآن، قـــالوا: فـمـــاذا تـرى أنـت ؟، قـــال: أرى أن هـذا الأمـر دواؤه التسكين، واقترح عليهم تجديد البيعة لعلى، ومقابلته، والتفكير بعد ذلك فيما يصلح المسلمين، فقبلوا
ومعنـى ذلك أن الجميع كـانوا راغبين، فـى الإصلاح، كل على حسب اجتهـاده، لكن عنـاصر الشر التـى كـانت ل اتزال فـى معسكر عـلى هى التى أفسدت السعى الذى قام به القعقاع
أتباع ابن سبأ يفسدون الصلح ويبدءون المعركة
كانت نقطة الضعف التى فى معسكر الإمام على هى وجود كثيرين ممن اشتركوا فى قتل عثمان والتخطيط له، وعلى رأسهم عبد الله
بن سبأ، و الأشتر النخعى، ولم يكن لعلى حيلة فى وجودهم معه، ولا قدرة عـلى إبعـادهم، لكونهم قوة كبيرة تساندهم عصبات قبلية، و قد أدرك زعمـاؤهم الذين تولوا كبر الثورة عـلى عثمان أن الصلح بـين الفـريـقيـن سيجعـل عـليًّا يتقوى بـانضمـام الفريق الآخر إليه، ويقيم الحد عليهم باعتبارهم قتلة عثمان، فعزموا على إفساد الأمر كله
و تـرتـب عــلى هذا العزم أن عقد ابن سبـأ لهم مـؤتمرًا تدارسوا فيه الأمـر، فـاقترح الأشتر أن يقتـلوا عـليًا كمـا قتـلوا عثمـان من قبـل، فتهيج الدنيـا من جديد، ولا يقدر عـليهم أحد، لكن هذا الاقتراح لم يعجب ابن سبـأ، فهو يريد أن يدخل الأمة كلها فى حرب طاحنة، لا أن يقتـل فرد واحد وإن كـان خـليفة المسلمين، فأمرهم بشن هجوم فـى ظـلام الليـل عـلى جيش عائشة و طلحة و الزبير، بدون علم الإمـام عـلى، فـاستجابوا لرأيه، وبينما الناس نائمون مطمئنون بعد أن رأوا بـوادر الصــلح تــلوح فــى الأفـق، إذا بهم يفـاجئون بقعقعـة السـلاح، وكـانت هذه هـى بدايـة حرب الجمـل المشئومـة التى راح ضحيتهـا خيرة الصحـابـة طـلحـة والزبير المبشران بـالجنة، ونحو عشرين ألفًا من المسلمين
أسباب خروج عائشة ومن معها
لم تـكن أم المــؤمـنين عـائشـة، و لا طـلحـة و لا الزبير ولا أمير المــؤمـنيـن عــلى يريدون سفك الدمـاء، و لا يتصورون حدوث ذلك، و كــل مــا دفـع السـيدة عــائشـة ومن معهـا إلى الخروج إنمـا هو اقتناعهم بأن عثمان قُتل مظلومًا، وعليهم تقع مسئولية إقامة الحد عــلى قـتــلتـه، ولم يـكونـوا أبـدًا معـادين لعـلى، أو معترضين عـلى خلافته، وقد رأينا ميلهم جميعًا إلى الصلح، لولا أن أتباع ابن سبأ السـبئـيــة أفـسدوا كـل شـىء وأشعـلوا الحرب، و لقد ندمت السيدة عـائشـة ندمًا شديدًا عـلى مـا حدث، و قـالت: والله لوددت أنـى مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة
وخـلاصة القول أن تبعة هذه المأساة تقع على عاتق السبئية، فهم الذيـن أشـعــلوا الفـتنــة من البدايـة، وقتـلوا خـليفـة المسـلمين ظـلمًا، وأشـعــلوا حـرب الجمـل، أمـا الصحـابـة، فقد وصف ابن خـلدون مـوقفهم وصفًا دقيقًا، فقـال: وإذا نظرت بعين الإنصـاف عذرت القوم أجـمعـين، وعـــلمـت أنـهــا كــانـت فـتنــة ابـتــلى الله بـهــا الأمــة
معركة صفين
بعد معركـة الجمـل توجه عـلى ابن أبـى طـالب بجيش يبلغ عدده نحو مـائة ألف إلى صفين، واستعد معاوية لمقابلته بجيش يقاربه فـى العدد، ودارت بينهمـا معركـة شرسـة فـى شهر صفر سنة 37هـ قُتِل فـيهــا مـن الجــانبين نحو سبعين ألفًا، خمسـة وعشرين ألفًا من جيش عـلى، وخمسـة وأربعين ألفًا من جيش معـاويـة، و لما رأى النـاس كثرة القتـلى من الجـانبين تنـادوا يطـلبون وقف القتال، فجعل أهــل العـراق جـيش عــلى يـصيـحون فــى أهــل الشـام جيش معـاويـة قائلين: من لثغور العراق إن فنى أهل العراق. ويرد الآخرون: من لثغور الشـام إن فنـى أهـل الشام ومن هنا جاءت فكرة التحكيم
التحكيم
رفع جيش معـاويـة المصـاحف للاحتكـام إليهـا، ووقف القتال فورًا، بـدلا مـن سـفك الدمــاء، وكــانـت فـكرة التـحكـيم مـن عند عمرو بن العــاص، و قد قبـلهـا الطرفـان، و أوقفت الحرب، بعد أن فزع النـاس لكثرة عدد القتلى
أوقـفت الحـرب، وطـلب من عـلى ومعـاويـة أن ينيب كـل منهمـا شخصًا يتفـاوض بـاسمه، للفصـل فـى القضـايـا محـل الخـلاف، فأناب معـاوية عمرو بن العاص، وأناب على أبا موسى الأشعرى عـلى كره منه وذلك فى شهر صفر 37هـ وكان على قد حاول أن يـنيـب عـنه عـبد الله بـن عبـاس، لكن أنصـاره، وبخـاصـة من أبنـاء اليـمن بـزعــامــة الأشـعث بـن قيس، رفضوا ذلك بحجـة عصبيـة، وأعــلنـوهـا صراحـة، كيف يكون الخـلاف بين رجـلين من قريش، ثم يـكون الحـكمــان رجــلين من قريش أيضًا، لقد حسدوا قريشًا عـلى زعـامتهـا للدولة الإسـلاميـة التـى استحقتهـا بسابقتها فى الإسلام، لا بنسبها فقط. واتـفق عـلى أن يـأخذ الطرفـان مهـلة مدتهـا ستـة أشهر، تهدأ فيهـا النفوس، ويجتمع الحكمان للتباحث والوصول إلى حل، وبعد مفاوضات طويـلة وصـل الحكمـان إلى نتيجـة رأيـاها أفضل الحلول، وهى عزل عـلى -رضـى الله عنه- عن الخـلافـة، ورد الأمر إلى الأمـة تختـار من تشاء، أما التصرف العملى فى إدارة البلاد التى كانت تحت يد كل من الرجـلين المتحاربين، فيبقى كما كان: على يتصرف فى البلاد التى تحت حكمه وهـى كل الدولة الإسلامية عدا الشام ومعاوية يتصرف فى البلاد التى تحت حكمه الشام
موقف على وأنصاره من التحكيم
اجـتهـد الحـكمــان فيمـا توصـلا إليه، وأعـلنـاه عـلى النـاس، غير أن عــليًّا - رضـى الله عنه - لم يقبـل تـلك النتيجـة، واعتبر الحكمين قد تجـاوزا حدودهما؛ لأن الخلاف لم يكن على منصب الخلافة، وإنما على إقـامـة الحد عـلى قتـلة عثمـان، وبيعـة معاوية له، أيهما يسبق الآخر، ولذلك عدَّ نفسه فى حل من هذه النتيجة، فعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل التحكيم، أى إلى حالة الحرب
ظهور الخوارج
حـاول عـلى أن يدعو أنصـاره إلى حرب معاوية من جديد لكنهم كـانوا قد ملوا القتال، وتقاعسوا عنه، بل إنهم انقسموا إلى شيعة
وافـقوه عــلى مــا صـنع وخـوارج اعتبروا التحكيم كـان خـاطئًا من أسـاسه، مع أنهم هم الذين فرضوه عـليه، ثم تجاوزوا ذلك إلى ما هو أكثر تطرفًا، فـاتهموا عـليًّا بـالكفر، لأنه حكَّم الرجال فى القرآن، وصـاغوا شعـارًا أخذوا يرددونه الحكم لله لا لك يـا على، وكان هو يقول لهم: كـلمـة حق أريد بهـا بـاطـل، وطـالبوه بـأن يعـلن كفره، ويتوب ويسلم من جديد، حتى يعودوا إليه ويقاتلوا معه، فإذا لم يفعل فسوف يقاتلونه
ولا يـمكـن لمـســلم أن يتصور كيف يُكفَّر رجـل من صحـابـة رسول الله المـبشـريـن بـالجنـة، وممن رضـى الله عنهم تحت الشجرة فـى بيعـة الرضوان، وإزاء هذا التطرف من الخوارج اضطر الإمـام أن يحاربهم فـى معركـة شهيرة تُسمـى معركة النهروان بالقرب من الكوفة، وبعدهـا لم يستطع أن يجمع شمـل أنصـاره لقتـال معاوية من جديد كما كان يريد، بل أجبرته الظروف على التفاهم والاتفاق معه
الاتفاق بين على ومعاوية
بـعد انـقســام جـبهــة عـلى إلى شيعـة وخوارج ازداد موقفه ضعفًا؛ لأن صراعه مع الخوارج كبده متـاعب جسيمـة، وفـى الوقت نـفسه كـان موقف معـاويـة يزداد قوة، وبخـاصـة بعد أن استطـاع الاستيـلاء على مصر سنة 38هـ، بجيش قاده فاتحها الأول عمرو بن العاص، ونشر قوات له فى أطراف العراق، وضم اليمن إليه، و أصـبحـت دولته تتسع بمرور الزمن، فـى الوقت الذى تضيق فيه دولة على
وانتهـى الأمر بـأن جرت بينهمـا مفـاوضـات طويـلة، اتفقـا عـلى وضع الحرب بينهمـا وتكون لعـلى العراق وبلاد فارس ولمعاوية الشام فلا يدخـل أحدهمـا عـلى صاحبه فى عمله بجيش ولا غارة.. وتراضيا على ذلك.. وهـكذا أجـبرت الظروف التـى تكون أحيـانًا أقوى من الرجـال عـلى بن أبـى طـالب أن يصـالح معاوية، ويسلم له بنصف الدولة الإسـلاميـة تقريبًا، يحكمهـا حكمًا مستقلا، وهو الذى رفض فى بادئ الأمر إبقاءه واليًا على الشام وحدها يأتمر بأمره، وينتهى بنهيه
إدارة الدولة وتثبيت الفتوحات فى عهده
عـلى الرغم من الظروف الصعبـة التى واجهت الإمام عليًّا -رضى الله عنه- فـإنه أدار الدولة بـاقتدار وعدالة ونزاهـة وتجرد، ولم يقصر فـى شـأن من شئونها، واتخذ من الكوفة عاصمة لدولته منذ أن خرج من المدينـة إلى البصرة وبعد معركة الجمل، وظل يحكم منها إلى أن لقـى الله، وعهد بـإدارة بقيـة أجزاء دولته إلى أقرب النـاس إليه، وأخـلصهم له، فجعـل عبد الله بن عباس واليًا على البصرة وأخاه عبيد الله بن عبـاس واليًا عـلى اليمن، وأخـاهمـا الثـالث قثم بن عبـاس على مكة والطائف، وعزل قيس بن سعد عن مصر، وولى مكانه محمد بن أبى بكر الصديق
ولا لوم عـلى عثمـان وعلى إذا وليا أهل قرابتهما؛ لأن كل واحد منهمـا اجتهد لمصـلحـة الأمـة، وكـان أمينًا عليها، فعهد بإدارة الدولة إلى من رأى أنهم ينفذون سيـاسته، ولم يولِّ أى منهمـا أحدًا محاباة أو لقرابة
ولم تـشغــل الإمــام عــليًّا مـشكــلات الدولة الداخــليـة عن التصدى
لمـحــاولات الانتقـاض التـى حدثت فـى بـلاد فـارس، فقد حـاول الفرس تـكرار مــا فـعـلوه بعد استشهـاد عمر بن الخطـاب، فـأرسـل إليهم زيـاد بن أبيه فـى جمع كثير، فوطئ بهم أهـل فارس، وكانت قد اضـطرمـت، فــلم يـزل يـبعـث إلى رءوسـهم، يـعد مـن ينصره ويعينه، ويـخوّف مـن امـتنـع عــليـه، وضرب بعضهم ببعض، فدل بعضهم عـلى عـورة بعض، وهربت طـائفـة، وأقـامت طـائفـة، فقتـل بعضهم بعضًا، وصفت له فارس، فلم يلقَ منهم جمعًا ولا حربًا
أمــا الروم فـلم يتحركوا؛ لأن الإمبراطور قنسطـانز لمـا عرض عـليه بـعض قـواده أن يـنتـهزوا فـرصــة الحـروب التــى جـرت بين عـلى وأصحـاب الجمـل، وبينه وبين معـاويـة، ويغيروا من جديد عـلى مـصر والشــام، رفـض الإمـبراطـور مـعــللا ذلك بــأن غزوه لمصر والشـام سيجعل المسلمين يتصالحون ويتحدون ويقاتلوننا جميعًا، ولن نـقوى عـليهم، فخير لنـا أن نتركهم يقتـل بعضهم بعضًا حتـى يضعف شأنهم
استشهاد على رضى الله عنه
جاءت نهاية الإمام على بن أبى طالب على يد الخوارج، أنصاره الســابـقيـن، الذيـن بـلغ بهم الغـلو والتطرف حدًا اعتبروا فيه عـليًّا ومعـاويـة وعمرو بن العـاص أئمـة ضـلالة، وحمَّلوهم مسئولية ما حـدث، وقـرروا قتـل الثـلاثـة جميعًا، واتفقوا أن يتم التنفيذ فـى وقت واحد، هو فجر اليوم السـابع عشر من شهر رمضان سنة 40هـ؛ تيمنًا بـذكـرى مـعركــة بـدر حـسب تـصور نـفوسـهم المـريـضـة وعقولهم الفــاسـدة، وانـتدبـوا ثـلاثـة للقيـام بهذه المهمـة، هم عبد الرحمن بن ملجم، والبرك بن عبد الله، و عمرو بن بكر، على أن يذهب الأول إلى الكوفـة لقتل على، و الثانى إلى دمشق لقتل معاوية، والثالث إلى مصر لقتل عمرو بن العاص
وشـاءت إرادة الله - تعـالى - أن ينجو معـاوية و عمرو من القتل، و أن تـكون الشـهــادة من نصيب عـلى، حيث ضربه عبد الرحمن بن مــلجم بسيف مسموم فـى جبهته، فشقهـا فمـات من أثر الضربـة بعد وقت يسير، بعد أن قضـى أربع سنوات وبضعـة شهور، لم يذق فيهـا طعم الراحـة، وحاصرته المشكلات والمتاعب، وأنهكته الحروب من كل جانب
خـلافـة الحــــســن بــن عــلى: 40 - 41هـــــ
وبعد وفـاة الإمـام على بايع أنصاره ابنه الحسن، وكان جندب بن عبد الله قد دخل على الخليفة بعد طعنه وتيقن ألا أمل فى حياته، وسـأله: يـا أمير المـؤمنين إن فقدناك - ولا نفقدك - أنبايع للحسن ؟ فقال: ما آمركم و لا أنهاكم، أنتم أبصر، ولم يوصِ لأحد من بعده، بل قــال لهـم: و لكن أدعو الله - تعـالى- أن يجمعكم بعدى عـلى خيركم كـمــا جـمعـنـا بعد نبينـا عـلى خيرنـا -يقصد أبـا بكر-، مرسخًا بذلك قـاعدة الشورى التـى اتُبِعَت فى بيعته هو وبيعة الثلاثة الراشدين من قبله
أراد أنـصـار الحسن أن يتـأهبوا لقتـال معـاويـة من جديد، لكنه رفـض، ورأى عـدم جـدوى ذلك، بـــل إنـه وقـف ضـد فـكرة اقـتتــال المسلمين من البداية
راســل الحـسن مـعـاويـة بشـأن الصـلح، فسر به سرورًا عظيمًا، وجــاء إلى الكـوفــة فـى شهر ربيع الأول سنـة 41هـ، بعد ستـة أشهر من خـلافـة الحسن، وبـايعه الحسن والحسين، وتبعهما النـاس، وبهذا قـامت الدولة الأمويـة رسميًّا، وأصبح معـاويـة خليفة للأمـة الإسلامية كلها، ولُقب لأول مرة بأمير المؤمنين، وكان يلقب قبل ذلك بالأمير فقط
اسـتبـشر المسـلمون خيرًا بتـلك المصـالحـة، وحمدوا الله عـلى انتهـاء الفتنـة وسفك الدمـاء، وسمُّوا ذلك العـام عام الجماعة، وترك صنيع الحـسن صـدى طـيبًا عند جمهور المسـلمين، وأثنـى عـليه كثير من عـلمـاء أهـل السنة، ورأوا فيما فعل تحقيقًا لنبوءة جده محمد صلى الله عـليه وسـلم، الذى قـال ابنـى هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين
__________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
الإثنين نوفمبر 21, 2016 3:30 pm من طرف الربيع
» سونيت 95....وليم شكسبير
الخميس ديسمبر 10, 2015 6:51 am من طرف الربيع
» كيف تزيد خشوعك في الصلاة؟
الإثنين أكتوبر 19, 2015 2:38 pm من طرف semal4
» حزن المؤمن ...
الجمعة أغسطس 22, 2014 11:10 pm من طرف الربيع
» ارجوك تنساني { احلام }
السبت مارس 15, 2014 8:32 am من طرف لمار
» المكالمة .... هشام الجخ ♥
الخميس مارس 13, 2014 9:54 am من طرف الربيع
» الليل ياليلى " وديع الصافي "
الثلاثاء فبراير 11, 2014 1:59 am من طرف لمار
» جمعة مباركه ان شاء الله
الإثنين فبراير 10, 2014 2:03 pm من طرف لمار
» (((((((مجرد وقت )))))
الأحد فبراير 09, 2014 11:13 pm من طرف لمار