هو عبد الله بن عثمـان بن عـامر، من قبيـلة تيم بن مرة بن كعب، وفــى مرة بن كعب يـلتقـى نسبه مع نسب النبـى صـلى الله عـليه و ســلم، وأمه أم الخير سـلمـى بنت صخر بن عـامر، تيميـة كـأبيه وكنيته: أبو بكر، ولقبه: عتيق
ولُد أبو بكر سنـة 573م بعد مولد الرسول صـلى الله عـليه وسـلم بثـلاثـة أعوام، ونشـأ فى مكة، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته
وعُرف أبو بكر بترفعه عن عـادات الجـاهـليـة، وما كانوا يقترفونه من مجون وشرب خمر، وارتبط قبـل البعثة بصداقة قوية مع رسول الله صـلى الله عـليه وسـلم، وكـان الاتفـاق فى الطباع وصفاء النفس من أقوى الروابط بين النبى وأبى بكر
إسلامه
تُجمع مصـادر السيرة والتـاريخ على أن أبا بكر كان أول من أسلم وآمن بـالنبـى صلى الله عليه وسلم من الرجال الأحرار، وكان لسلامة فطرته التـى كـانت تعـاف مـا عـليه قومه من عبـادة الأوثـان أثر فـى تبكيره بـالدخول فـى الإسـلام، و مـا إن دعـاه النبـى صـلى الله عليه وسـلم إلى الإسـلام حتـى أسلم على الفور؛ لثقته بصدق النبى صلى الله عـليه وسـلم وأمـانته، يقول النبـى صـلى الله عـليه وسـلم: مـا دعوت أحدًا إلى الإسـلام إلا كـانت فيه عنده كبوة - تأخر فى الإجابة-إلا مـا كـان من أبـى بكر بن أبـى قحـافـة، مـا عكم عنه - تأخر عنه - حين ذكرته له، وما تردد فيه
ومـنذ أن أسـلم وهو يهب نفسه ومـاله لله ورسوله، فكـان يشترى من أســلم مـن العـبيـد الذيـن كـانت قريش تعذبهم، ويعتقهم كبـلال بن ربـاح، وكـان يذود عن النبى صلى الله عليه وسلم بكل ما أوتى من قوة، فيروى البخارى عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قوله: رأيت عقبة بن أبى معيط جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو يـصــلى، فـوضع رداءه فـى عنقه، وخنقه به خنقًا شديدًا، فجـاء أبو بكر - رضـى الله عنه - حتـى دفعه عنه، فقـال: أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم. صحيح البخارى. ومن أجَلِّ مواقف أبـى بكر تصديقه للنبـى صـلى الله عـليه وسـلم
فـى حـادث الإسراء، فحين أخبر النبـى صـلى الله عـليه وسـلم بذلك أسـرعـوا إلى أبــى بكر يخبرونه، ظنـا منهم أنه لن يصدق، فقـال لهم: والله لئن كـان قـاله لقد صدق، فإنى أصدقه فى أبعد من هذا، أصدقه فـى خبر السمـاء يـأتيه فـى سـاعـة من ليـل أو نهار، فلُقب بـالصديق من يومئذٍ. واختـاره النبـى صـلى الله عـليه وسلم -لثقته- به ليرافقه فـى رحـلة الهجرة دون غيره من الصحـابـة، ثم لازم النبى بعد الهجرة فـى ليـله ونهـاره، فـلم يتخلف عن غزوة من غزواته أو مشهد من مشاهده، وكان مجاهدًا بنفسه وماله حتى وصفه النبى بقوله: ما لأحد عندنـا يدٌ إلا وقد كـافـأنـاه بهـا، إلا أبـا بكر، فـإن له عندنا يدًا يكـافئه الله بهـا يوم القيـامـة، وما نفعنى مال أحد قط ما نفعنى مال أبى بكر
ومـمــا لاشـك فـيه أن أبــا بـكر الصـديق عند عـلمـاء الأمـة أفضـل المسـلمين مطلقًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليل ذلك أنه جـعــله أميرًا عـلى الحج فـى العـام التـاسع من الهجرة، وأنـابه فـى الصــلاة عـند مـرضـه - دون غيره -، وكـان هذا أقوى مرشح له لتولى الخلافة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم
أبو بكر الصديق ومسؤوليات الخلافة
بعد أن بويع أبو بكر الصديق البيعـة العامة قام فخطب الناس خطبة قـصيـرة، وضـح لهـم فيهـا منهجه فـى الحكم، فقـال بعد أن حمد الله و صـلى عـلى نبيه: أمـا بعد أيهـا النـاس فـإنـى وليت عـليكم ولست بـخيركم، فـإن أحسنت فـأعينونـى، وإن أسـأت فقومونـى، الصدق أمـانـة، والكذب خيـانـة، والضعيف فيكم قوى عندى حتى أزيح عليه حـقه إن شـاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتـى آخذ الحق منه إن شـاء الله، لا يدع قوم الجهـاد فى سبيل الله إلا ضربهم الله بالذلّ، ولا تشيع الفـاحشـة فـى قوم قط إلا عمهم الله بـالبلاء، أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فـإذا عصيت الله ورسوله فـلا طـاعـة لى عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله
كـلمـات قليلة وبسيطة، لكنها في غاية الأهمية، تحمل اعتراف الخليفة الأول بحق الأمة فى مراقبة تصرفات حاكمها ونقده وتقويمه إن جانب الصواب
كـان أول القرارات التـى اتخذهـا أبو بكر وأصعبهـا قراره بـإنفاذ جيش أسـامـة إلى جنوبـى الشـام، كمـا أمر به رسول الله صلى الله عــليه وسـلم، وذلك لأن الصديق أقدم عـليه فـى ظروف دقيقـة وحـرجـة، فـالعربُ قد ارتدت عن الإسـلام، حتـى مكـة نفسهـا همت بــالردة، لولا أن سـهيــل بـن عمرو روَّعهم، قـائـلا: لمـاذا ترتدون والنبوة كـانت فيكم، والخـلافـة أصبحت فيكم؟، وحاولت الطائف أن تـرتـد، فـمنع من حدوث ذلك عقـلاؤهـا؛ إذ قـالوا لقومهم: لقد كنتم آخر من أسلم، فلا تكونوا أول من يرتد
كـمـا استفحـل أمر مدعـى النبوة مسيـلمـة الكذاب فـى اليمـامـة شرقـى شبه الجزيرة العربية، وطليحة بن خويلد الأسدى فى بنى أسـد، فــى مـنطـقــة بذاخـة -مـاء لبنـى أسد يقع إلى الشرق من المدينـة المنورة - ولقيط بن مـالك فـى عمـان جنوبـى شرقى بلاد العرب، والأسود العنسى فى اليمن
وكـل أولئك ظهروا فـى أواخر حيـاة النبـى صـلى الله عـليه وسـلم، لكـنه لم يـحفــل بـهم كـثيـرًا؛ لثـقته بـالقدرة عـلى القضـاء عـلى تـلك الحركـات، وفـى الوقت نفسه أمر بـإنفـاذ جيش أسامة بن زيد إلى جـنوب الشــام؛ لتــأديـب القـبــائـل القـاطنـة هنـاك، التـى تعـادى المسـلمين، ولتثبيت هيبة الإسلام فى أعين الروم، التى فرضها عليهم فــى غـزوة تـبوك، وللفـت أنظـار أصحـابه إلى خطورة دولة الروم عــلى الإســلام، لكـن هـذا الجـيش لم يـذهب لأداء مهمته؛ لمرض النبـى صـلى الله عليه وسلم ووفاته، فكان أول قرار للصديق، هو تنفيذ ما عزم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم
لكـن الصحـابـة جميعًا عـارضوا أبـا بكر فـى قراره بـإرسـال جيش أسـامـة، وتعللوا بأن الردة قد عمت شبه جزيرة العرب، وأن الخطر داهـم ومـحدق بـهم، حـتـى لم تسـلم منه المدينـة نفسهـا، واشرأبت أعنـاق أعداء الإسـلام من يهود ونصـارى وغيرهمـا، وتحفزوا للقضاء عـلى الإسـلام، ولذا فـإن بقـاء الجيش فـى المدينـة ضرورة مـلحـة؛ لحمايتها من الأخطار المحدقة بها
لكن ذلك كـله لم يثن عزيمة الصديق عن إرسال جيش أسامة، ووقف كالأسد الهصور يذود عن الإسلام باتخاذ ذلك القرار الصعب قائلا: و الذى نـفس أبــى بكر بيده، لو ظننت أن السبـاع تخطفتنـى لأنفذت بعث أسامة، كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبق فى القرى غيرى لأنفذته
و قـد ظـهرت نـتــائـج سيـاسـة الصديق الموفقـة، عندمـا ذهب جيش أسـامـة وحقق ما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم من أهداف، و عـاد محمَّلا بالغنائم، وألقى الرعب والفزع فى قلوب القبائل العربية التـى مرَّ عـليها فى شمالى شبه الجزيرة العربية وهو فى طريقه إلى الشـام؛ لأنهم قالوا: لو لم يكن بالمسلمين قوة لما أرسلوا هذا الجيش الكبير إلى هذا المكـان البعيد فـى مثل هذا الوقت؛ ولذا كانت حركة الردة فـى المناطق التى مرّ بها أسامة بجيشه أضعف منها فى أى مكان آخر من شبه الجزيرة العربية
حركة الردة
يعد موقف الصديق من حركة الردة ومواجهته لها من أروع المواقف فــى التــاريخ، لأنه آمن إيمـانًا عميقًا بـانتصـار الحق مهمـا تكن قوة أعدائه، وأظهر تصميمًا على الدفاع عن الإسلام مهما يبذل من جهد. و قد بدأت حركـة الردة بـالقبـائـل التى منعت الزكاة كعبس وذبيان وغطفـان وغيرهـا، حيث أرسـلت وفدًا إلى المدينـة، يعرض على الصديق مطـالبهم، وأنهم لم يرفضوا الإسلام، ولكنهم يرفضون دفع الزكـاة لحكومـة المدينـة؛ لأنهـا فـى ظنهم معرَّة، ويعدُّونهـا إتاوة تـدفـع لأبــى بكر، ولم تدرك تـلك القبـائـل أثر الزكـاة فـى التكـافـل الاجتماعى بين المسلمين
كــان رأى فـريق من الصحـابـة وعـلى رأسهم عمر بن الخطـاب أن يـستـجيـب أبو بكر لتـلك القبـائـل، ولا يجبرهـا عـلى دفع الزكـاة، وخـاصة أن المدينة مكشوفة، وليس بها قوة تحميها وتدافع عنها؛ لأن جيش أسامة لما يعد بعد من شمالى بلاد العرب، لكن الصديق لم يقتنع بهذا الرأى، ورد على عمر بن الخطاب ردا جازمًا قائلا له: والله لو منعونى عقالا -الحبل الذى يجرُّ به الحمل - لجاهدتهم عليه. وكـان هذا الموقف الثـابت من الصديق رائعًا كـل الروعـة، فمـاذا لو وافـق أبـو بـكر عـمر ومـن مـعه عــلى رأيـهم ؟ ربمـا شجع هذا
التنـازل قبـائـل أخرى، فتمتنع عن دفع الزكاة أسوة بهؤلاء، ولربما تطور الموقف إلى أبعد من هذا، فتمتنع قبـائـل عن إقـامـة الصلاة أو غيرهـا من أركـان الإسلام، ويكون هذا هدمًا للدين من أساسه. وكأن الصديق حين فعـل هذا تمثـل واقتدى بموقف لرسول الله صلى الله عـليه وسـلم عندما جاءه وفد ثقيف يعلنون إسلامهم، ويطلبون منه إعفـاءهم من أداء الصـلاة، فرفض النبـى صلى الله عليه وسلم ذلك، و قـال لهم: لا خير فـى دين لاصـلاة فيه، ولعل الصديق قصد ذلك حين قال: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة
ولم يـكن الصديق صـاحب قرارات صـائبـة فحسب، بـل كـان يقرنهـا بـالعمل على تنفيذها، فلما رأى الغدر فى عيون مانعى الزكاة أدرك أنـهم سـيهــاجـمون المدينـة عـلى الفور؛ لأنهم عرفوا غيـاب معظم الرجــال مـع جـيش أســامــة، وأعــلن حــالة الاستعداد للدفـاع عن المدينـة عقب عودة المانعين إلى ديارهم، واتخذ مسجد رسول الله، مقرا لغرفـة عمـليـات عسكريـة، وبـات ليلته يُعد للمعركة ويستعد لها، و أمر عددًا من كبـار الصحـابـة بحراسة مداخل المدينة، على رأسهم عـلى بن أبـى طـالب، و طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهم
وحدث مـا توقعه الصديق فبعد ثـلاثـة أيام فقط هاجم مانعو الزكاة المـديـنــة، فـوجـدوا المسـلمين فـى انتظـارهم، فهزمهم المسـلمون و ردوهـم عــلى أعـقــابهم إلى ذى القصـة - شرقـى المدينـة. ثم تـعقـبهـم الصـديق وألحق بهم هزيمـة منكرة، وفرت فـلولهم، وغنم المـســلمـون مـنهـم غـنـائم كثيرة، واتخذ الصديق من ذى القصـة مكـانًا لإدارة المعركـة ضد حركـة الردة كلها، وفى هذه الأثناء جاءت الأخـبــار بـوصول جيش أسـامـة سـالمًا غـانمًا، فـأسرع الصديق بنفسه لاستقبـال قـائد الجيش الشـاب، الذى قام بهذه المهمة الخطيرة خير قيـام، وبعد أن احتفـى به وهنأه على عمله، أنابه عنه فى حكم المـديـنـة، وعـاد هو إلى ذى القصـة ليدير المعركـة مع المرتدين بعزيمة لا تلين
أسباب حركة الردة
قبل الخوض فى الحديث عن مواجهة أبى بكر لحركة الردة، ينبغى معرفـة أسبـابها، التى جعلت تلك القبائل ترتد بعد أن أعلنت إسلامها أمام الرسول صلى الله عليه وسلم فى السنة الأخيرة من حياته
- السبب الأول: أن إسـلام أغـلب هذه القبائل كان ضعيفًا، فقد أذعنوا لقـوة المسـلمين، التـى لم يكن لهم قِبَل بمواجهتهـا؛ فـاستسـلموا ولم يـســلمـوا إســلامًا حقيقيًا، فظنوا أن وفـاة الرسول صـلى الله عـليه وسلم ستفتُّ فى عضد المسلمين، ولن يستطيعوا مواجهتهم
- والسـبب الثــانـى: أن العصبيـة القبـليـة كـانت عندهم قويـة، فمعظم المـرتدين الذين التفوا حول مدعـى النبوة كـانوا يعـلمون صدق النبـى صـلى الله عـليه وسلم، ولكن كل قبيلة كانت تريد أن يكون لها نبى من أبنـائهـا ولو كـان كذابًا، كما لقريش نبى من أبنائها، وعبروا عن ذلك بـوضوح وصراحـة، فيقول أحد بنـى حنيفـة لمسيـلمـة: أشهد أنك كذاب، ولكن كذاب ربيعـة - التـى منهـا مسيـلمـة - خير من صـادق مـضر- التــى مـنهــا مـحمـد ، وقــال عيينـة بن حصن الفزارى عن طــليـحــة بـن خويـلد الأسدى: نبـى من الحـليفين خير من نبـى من قريش، ومحمد مات، وطليحة حى.
- والسبب الثـالث: أن زعمـاء القبـائـل وشيوخهـا كـانوا مستفيدين من الوضع القبـلى القديم؛ إذ كـانت حياة معظم القبائل تقوم على الإغارة و السـلب و النهب، ويأخذ شيوخها ربع ما تحصل عليه من تلك الغارات، ولذا تزعموا حركة الردة، وحرضوا أبناء القبائل عليها، ليستمروا فى السيطرة على قبائلهم
- والسـبب الرابـع: أن الفـرس والروم حـــاولا القـضــاء عــلى الإســلام بـاستخدام العرب وتحريضهم ومسـاعدتهم، فـلمـا فشلا فى ذلك تدخلا تـدخُّلا مـبــاشـرًا، فـحرَّض الفـرس عـرب الخــليج عـلى الردة، ثم أمدوا سجـاح بنت الحـارث اليربوعيـة - مدعية النبوة - بجيش كبير، قوامه أربـعون ألف رجـل، جـاءت بهم من العراق التـى كـانت تحت الحكم الفـارسـى لمحاربة المسلمين، فلما فشلت تدخلوا مباشرة ضد المثنى بن حارثة، الذى كان يحارب المرتدين على حدود العراق
وفـعــل الروم البيزنطيون مـا فعـله الفرس، فـاعتدوا فـى حروب الردة عـلى جيش خـالد بن سعيد بن العـاص فـى منطقـة تيمـاء شمالى الحجاز، وألحقوا به هزيمة كبيرة وقتلوا معظم جنوده
المواجهة السلمية
أراد أبـو بكر الصديق أن يبصِّر المرتدين بخطورة مـا أقدموا عـليه، فـواجـههم مواجهـة سـلميـة بـأن دعـاهم إلى العودة بدون قتـال إلى الإسـلام، الذى أكرمهم الله به، وأرسـل إليهم كتابًا يقرأ على القبائل كلها؛ لعلهم يعقلون، جاء فى أخره
وإنـى بعثت إليكم فلانًا فى جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بـإحسـان، وأمرته ألا يقـاتـل أحدًا ولا يقتـله حتـى يدعوه إلى داعية الله، فـمن اسـتجــاب له وأقـرَّ وكف وعمـل صـالحًا، قبـل منه وأعـانه عـليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثم لا يبقى على أحدٍ منهم قدر عـليه، ولا يقبـل من أحدٍ إلا الإسـلام فمن اتبعه فهو خير له، ومن تـركـه فــلن يعجز الله، وقد أمرت رسولى أن يقرأ كتـابـى فـى كـل مجمع لكم، والداعيـة الأذان، فـإذا أذن المسـلمون فأذَّنوا كفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا عاجلوهم
الاستعداد العسكرى
وفـى الوقت الذى كان يأمل فيه أن يستجيب المرتدون، ويعودوا إلى دين الله دون قتـال؛ كـان يعد أحد عشر جيشًا فى وقت واحد، تغطى المناطق التى ارتد أهلها فى شبه جزيرة العرب، جاهزة للانطلاق إلى كـل منطقـة؛ ليشغـل كـل قبيـلة بـالدفـاع عن نفسها فى ديارها، ولا تـأخذ فرصـة للتجمع والتكتـل ضده، وكـان هذا تصرفًا بـارعًا وحكيمًا من الصديق
واختـار الصديق لهذه الجيوش أمهر القـادة وأكثرهم خبرة بالقتال، وهـم: خــالد بـن الوليـد، سـيف الله وعـبقرى الحرب، وأمره بقتـال المرتدين من بنـى أسد وغطفـان وحـلفـائهم بقيـادة طـليحة بن خويـلد فى بذاخة، فإذا انتهى من مهمته توجه لقتال المرتدين من بنى تميم فى البطاح، إلى الشرق من ديار بنى أسد
- وعـكرمـة بن أبـى جهـل وأردفه بشرحبيـل بن حسنـة، وأمرهمـا بـالتوجه إلى مسيـلمة الكذاب ومن معه فى اليمامة، وأمرهما ألا يـقــاتــلاه حـتــى يــأمـرهـمـا بذلك، لمعرفـة أبـى بكر بقوة جيش مسيـلمـة، وأنهمـا لن يقدرا على هزيمته بسهولة، بل يشغلاه حتى يحين الوقت المنـاسب لإرسال قوات أكبر؛ لمواجهة بنى حنيفة فى جموعهم الكبيرة
- والعـلاء بن الحضرمـى، وأمره بقتال المرتدين فى البحرين وما والاها
- وحذيفـة بن محصن، وأمره بقتال المرتدين فى دبا فى جنوبى شرقى شبه الجزيرة
وعـرفـجــة بـن هـرثـمـة، وأمره بقتـال المرتدين فـى مهرة فـى جنوبى شبه الجزيرة
والمـهــاجر بن أبـى أميـة المخزومـى، وأمره بقتـال المرتدين فـى جنوبى اليمن
وسويد بن مقرن، وأمره بقتـال المرتدين فـى تهـامـة اليمن على ساحل البحر الأحمر
- وعمرو بن العاص، وأمره بقتال قبائل قضاعة فى الشمال
- ومـعن بـن حــاجـز وأمـره بقتـال المرتدين فـى هوازن وبنـى سليم
وخــالد بن سعيد بن العـاص، وأمره أن يعسكر فـى تيمـاء، ولا يقاتل أحدًا إلا إذا قوتل
أهم معارك حروب الردة
لم يستجب المرتدون لدعوة أبـى بكر السـلميـة، فبدأ قادته ينفذون مــا عـهد إليهم من مهـام، وخـاض خـالدبن الوليد أول معـارك الردة فـى بذاخـة ضد المرتدين من غطفان وبنى أسد وحلفائهم ممن التفوا حول طـليحـة بن خويـلد الأسدى مدعـى النبوة، وكـان النصر حـليف خـالد، بعد أن ألحق بهم هزيمـة منكرة وغنم كثيرًا، وأرسل عددًا من زعمـائهم أسرى إلى الخـليفـة، وفر طـليحة، وظهر كذبه، و يجدر بـالذكرى أن طـليحـة قد أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه فى عـهد أبــى بـكر الصديق، واشترك فـى الفتوحـات الإسـلاميـة فـى فارس، فى عهد عمر بن الخطاب، وكان له دور بارز فيها
وبـعد ذلك تـوجه خـالد بن الوليد إلى البطـاح فـى نجد لقتـال المرتدين من بنـى تميم بزعامة مالك بن نويرة، ونجح فى إلحاق
الهزيمة بهم، والقضاء على الردة فى بلادهم
معركة اليمامة
اليمـامـة مصطـلح جغرافـى قديم، يشمـل المناطق الشرقية من شبه الجزيرة العربيـة التى تقع فيها الآن مدينة الرياض عاصمة المملكة العربيـة السعودية. ووقعت معركة اليمامة نفسها فى مكان قريب من هذه المدينة
وسـبق أن ذكـرنــا أن أبــا بـكر أرســل عكرمـة بن أبـى جهـل وشرحبيـل بن حسنـة للوقوف فـى وجه مسيـلمـة، ولم يـأمرهمـا بقتـال؛ لكنهمـا تعجلا مخالفين أوامر الخليفة، واشتبكا مع مسيلمة فـى حرب لم يصمدا فيهـا، وعـادا منهزمين، ولعـلهما أرادا أن يتشبها بخالد بن الوليد حتى يحوزا أكاليل النصر، كما حازها هو
ومــا إن وصـلت أنبـاء هزيمتهمـا إلى أبـى بكر حتـى غضب غضبًا شديدًا، وطـلب منهمـا ألا يعودا إلى المدينة، وقرر فى الوقت نفسه أن يـرســل خــالد بـن الوليـد إلى اليـمــامـة للقضـاء عـلى فتنـة مسيـلمـة، فهو أصـلح الناس لهذه المهمة. وكان خالد قد فرغ من القـضــاء عـلى فتنـة المرتدين من بنـى أسد وغطفـان وتميم، فجـاءته أوامر من أبـى بكر بـالتوجه إلى اليمـامـة للقضاء على فتنة مسيلمة الكذاب
امتثـل خـالد بن الوليد لأوامر الخـليفة، وسار فى صحراء وعرة نحو ألف كيـلو متر، حتـى التقـى بجيوش مسيـلمـة - وكانت نحو أربعين ألفًا - فـى مكـان يسمى عقرباء فى حين كانت قوات خالد تبلغ نحو ثـلاثـة عشر ألفًا، فيهم عدد كبير من المهاجرين والأنصار، ودارت الحـرب بـين الفـريـقيـن، وكـانت حربًا شرسـة، اشتدت وطـأتهـا عـلى المسـلمين فـى البدايـة، وكادوا ينهزمون، لولا أن زأر خالد كالأسد الهصور، ونـادى بـأعـلى صوته وامحمداه، وكـان شعـار المسلمين فـى المعركـة، فـاشتعـلت جذوة الإيمـان فـى القـلوب، وهانت الحياة على النفوس، وأقبل المسلمون على القتال دون خوف أو وجل، طمعًا فــى النـصر أو الشـهــادة، وصبروا لأعداء الله حتـى هزموهم هزيمـة مـنكـرة، وقـتـلوا مسيـلمـة الكذاب مع نحو عشرين ألفًا من رجـاله، واستسلم من بقى من قواته أسرى للمسلمين، واستشهد من المسلمين أكثر من ألف ومـائتـى رجـل، منهم عدد كبير من القراء وحفظة القرآن الكريم
وحـين تـرامت إلى المرتدين أخبـار انتصـارات خـالد ومـا فعـله فـى بنى حنيفة، وقر فى أذهانهم أن المسلمين لا ينهزمون؛ ولذا كانت مهمـة بقيـة القـادة فـى المنـاطق التـى توجهوا إليها أقل صعوبة مما واجهه خالد بن الوليد فى اليمامة
وقبـل أن يمضـى عـام عـلى بدء حركة الردة كان أبو بكر الصديق قـد نـجح فـى القضـاء عـليهـا فـى كـل مكـان، وعـادت شبه الجزيرة العـربـيـة موحدة دينيًا وسيـاسيًا تحت لواء المسـلمين وحكومتهم فـى المدينة على ما كانت عليه فى آخر حياة الرسول
الفتوحات الإسلامية فى عهده
أسبابها
من يتتبع حركـة الفتوحـات الإسـلاميـة خارج شبه الجزيرة العربية يجد أنـهــا جــاءت استطرادًا، وجـاءت تحت ضغط الظروف، وأن المسـلمين اضطروا إليهـا اضطرارًا؛ إذ لم يكن لهم برنـامج أو خطـة معدة من قبل للفـتح أو التصـادم مع الآخرين؛ لأن نشر الإسـلام، وهو الغـايـة الأولى للمسـلمين، لا يتطـلب أعمـالا حربيـة أو الدخول فـى معارك عسكرية، وكــل مــا كــان يـطـلبه المسـلمون هو أن يفسح لهم الآخرون الطريق ليدعوا إلى دينهم بـالحكمـة والموعظة الحسنة، ولكن الفرس والروم لم يعطوا المسـلمين هذه الفرصـة، فكادوا لهم واعتدوا عليهم، مما اضطر المـســلمـين إلى خـوض الحروب معهم، ورد عدوانهم، وتحقيق الحريـة لنـشر العـقيـدة الإســلامـيـة دون عوائق، وليس لنشر العقيدة، والفرق كبير بين المعنيين
فتح العراق
فى أثناء حروب الردة طارد المثنى بن حارثة - أحد قادة المسلمين - المرتدين إلى الشمـال، عـلى السـاحـل الغربـى للخليج العربى، فلما وصــل إلى حـدود العـراق تكـاثرت عـليه قوات الفرس، بعد أن رأوا فشـل عمـلائهم من المرتدين فـى القضـاء عـلى الإسـلام فألقوا بثقلهم فى المعارك ضد المسلمين
ولمــا رأى المـثنــى أنـه غير قـادر بمن معه عـلى مواجهـة القوات الفـارسيـة، أرسـل إلى الخـليفـة يشرح له الموقف، ويطـلب منه المدد، فأدرك الخليفة خطورة الموقف، ورأى أن يردع الفرس ويرد عدوانهم، فرماهم بخالد بن الوليد أعظم قواده، وأردفه بعياض بن غنم
و فـى المحرم من العام الثانى عشر من الهجرة تحرك خالد بن الوليد من اليمـامـة، وكـان لايزال بهـا، بعد أن قضـى على فتنة مسيلمة الكـذاب، وتوجه إلى العراق. حيث خـاض سـلسـلة من المعـارك ضد الفـرس فــى خــلال عـدة شـهور، فــى ذات الســلاسـل والمذار، و الولجــة، وأليـس، وهـذه أسـمــاء الأمــاكـن التــى دارت فيهـا الحروب، وكـان النصر حـليفه فيهـا، ثم توَّج انتصاراته بفتح الحيرة عاصمة العراق فى ذلك الوقت،واستقر بها فى شهر ربيع الأول من العــام نـفسـه، ثـم فـتح الأنـبــار وعـين التـمر إلى الشـمــال من الحـيرة، ثـم جــاءته أوامر من أبـى بكر أن يعود إلى الحيرة ويستقر بها إلى أن تأتيه أوامر أخرى
وخـلاصة القول أنه فى خلال بضعة أشهر نجح خالد فى فتح أكثر مـن نـصف العراق،وصـالح أهـله عـلى دفع الجزيـة، و لم يجبر أحدًا على الدخول فى الإسلام
فتح الشام
كــان خـالد بن سعيد بن العـاص، أحد قـادة حروب الردة، معسكرًا بقواته فـى تيمـاء شمـالى الحجـاز بـأمر من الخـليفة الذى ألزمه بألا يقاتل أحدًا إلا إذا قوتل، وقصد الخليفة بذلك أن يكون هذا الجيش احـتيــاطيًا، يمد -عند الضرورة - القوات المحـاربـة فـى جهـات أخرى، و أن يراقب تحركـات الروم؛ لأنه كـان على يقين أنهم سوف يستغلون فرصة انشغاله بحروب الردة، ويكرروا عدوانهم
و حـدث مــا تـوقـعه أبـو بـكر الصـديـق، فقد هجم الروم عـلى جيش خـالد، ومعهم القبائل العربية القاطنة فى الشام، وألحقوا به هزيمة قــاسـيـة، وقتـلوا معظم جنوده، واستشهد ابنه فـى المعركـة، فـلمـا وصـلت أخبـار الهزيمـة إلى الخـليفـة أبـى بكر جمع كبـار الصحابة لدراســة المـوقـف، فــاستقر رأيهم عـلى ضرورة صد العدوان، وشرع أبو بكر فى حشد أربعة جيوش لتحقيق ذلك
- جـيش بـقيـادة أبـى عبيدة بن الجراح وجهه إلى حمص شمـالى الشام
- وجـيش بقيـادة يزيد بن أبـى سفيـان، ووجهه إلى دمشق فـى وسط الشام
- وجيش بقيادة شرحبيل بن حسنة، ووجهه إلى الأردن
- وجيش بقيادة عمرو بن العاص، ووجهه إلى فلسطين
وقـال أبو بكر لقـادة جيوشه: إذا عمـلتم منفردين، فكل واحد منكم أمـير عــلى من معه من قوات وكـان مع كـل واحد منهم نحو ثمـانيـة آلاف جـندى - ثم أمير عـلى المنطقـة التـى يفتحهـا، أمـا إذا ألجـأتكم الظروف إلى الاجتمـاع فـى مكـان واحد، فالقائد العام أبو عبيدة بن الجراح
موقعة اليرموك
تحرك القـادة الأربعـة بجيوشهم، فـلمـا دخـلوا جنوبـى الشـام، وجدوا جـيشًا رومـيــا، قوامه نحو 250 ألف جندى، بقيـادة تذراق أخـى هرقـل، يسـاندهم نحو ستين ألفًا من العرب - تقريبًا بقيادة جبلة بـن الأيـهم الغـســانــى، فــلم يـستـطيـعوا الالتحـام مع هذه الجموع الحـــاشـدة، فـدارت بـينـهم مـراســلات تـجمـعوا بـعدهــا فــى وادى اليرموك، تحت قيادة أبى عبيدة بن الجراح
لكن تجمعهم لم يـؤدِ إلى تحريك للموقف ضد الروم، فـأخبروا الخـليفـة أبـا بكر بمـا هم فيه، وطـلبوا المدد منه، فرأى أنه لن ينقذ الموقف فـى الشـام سوى خـالد بن الوليد، وقـال عبارته المشهورة: والله لأُنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، ثم كتب رسالة إليه: أمـا بعد فإذا جاءك كتابى هذا، فدع العراق، وأخلف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه وامضِ متخففًا فى أهل القوة من أصحابك الذين قـدمـوا العراق معك من اليمـامـة، وصحبوك من الطريق، وقدموا عـليك من الحجـاز، حتـى تأتى الشام، فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من المسلمين، فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام عليك
امـتثـل خـالد لأوامر الخـليفـة، وسـار من العراق فـى سبعـة آلاف جندى فـى واحدة من أجرأ المسيرات العسكرية فى التاريخ وأكثرها خطرًا، حيث قطعوا أكثر من ألف كيـلو متر فى ثمانية عشر يومًا، فى صـحراء قــاحـلة مهـلكـة، حتـى وصـلوا إلى وادى اليرموك فتسـلم خـالد بن الوليد القيـادة من أبـى عبيدة وخـاض معركـة مع الروم تُعـد مـن أعظم المعـارك وأبعدهـا أثرًا فـى حركـة الفتح الإسـلامـى، و سحق جيش الروم الذى كـان يعد يومئذٍ أقوى جيوش العـالم، إذ قتـل منه نحو مـائة وعشرين ألفًا، وقد أدرك هرقل إمبراطور الروم حجم الكـارثـة التـى حـلت بجيشه، فغـادر المنطقة نهائيًا، وقلبه يقطر دمًا، ويتحسر عـلى جهوده التى بذلها فى استرداد الشام من الفرس، ثم ها هـى ذى يفتحهـا المسـلمون، و قال: السلام عليك يا سوريا، سلامًا لا لقـاء بعده، ونعم البلد أنت للعدو وليس للصديق، ولا يدخلك رومى بعد الآن إلا خائفًا
وقـد اسـتشـهد مـن المـســلمـين نحو ثـلاثـة آلاف، وقد فتح هذا النصر العظيم الطريق لفتح بقية الشام، الذى تم فى عهد عمر بن الخطاب
الجمع الأول للقرآن فى عهد أبى بكر الصديق
فـزع عـمر بـن الخطـاب لاستشهـاد عدد كبير من حفظـة القرآن فـى حروب الردة، وبخـاصـة معركـة اليمـامـة، فـأشار على أبى بكر بـضرورة جمع القرآن فـى مصحف واحد؛ خشيـة أن يُستشهد عدد آخر مـن الحـفــاظ، فـيضـيع القرآن، أو يدخـله تحريف إذا تبـاعد الزمن بين نزوله وجمعه، كما حدث للكتب السابقة
تـردد أبـو بـكر فــى بـادئ الأمر من اقتراح عمر، وقـال: كيف أفـعــل شيئًا لم يفعـله رسول الله صـلى الله عـليه وسـلم، فقـال له عمر: أرى والله أنه خير، فـلم يزل عمر بـأبى بكر حتى قبل، ثم استدعـى أبو بكر زيد بن ثـابت الأنصارى، وكلفه بمهمة جمع القرآن، قـائـلا له: إنك رجـل شـاب عـاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحـى رسول الله صـلى الله عـليه وسـلم، فتتبع القرآن فـاجمعه، فـقبـل زيد هذه المهمـة الثقيـلة، وبدأ فـى تتبع القرآن، وجمعه من الرقـاع والعظـام، والعسب سعف النخل التى كان مكتوبًا عليها و من صدور الرجال، وجعل ذلك فى مصحف واحد. وقد ظل هذا المصحف عند أبى بكر، ثم انتقل بعد وفاته إلى عمر بن الخطـاب، ثم انتقـل بعد وفـاته إلى ابنته أم المـؤمنين حفصـة، و فــى عـهد عـثمــان دعـت الضـرورة إلى جمع النـاس عـلى قراءة واحدة، فـأخذه عثمـان منهـا، ونسخ منه عدة نسخ و وزعهـا عـلى الأمصار
وهكذا توَّج أبو بكر الصديق أعماله الجليلة بجمع القرآن
وفاة أبى بكر الصديق
قضـى أبو بكر فـى الخـلافة سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام قام فيهـا بجـلائـل الأعمال، ونهض بمسئولية قيادة الدولة على خير وجه، و عـاش حياته للإسلام وللمسلمين، ووهب حياته لخدمة رعيته، والدفاع عـن عـقيـدتـهـا، دون أن يـأخذ أجرًا عـلى تحمـله تبعـات هذا المنصب الجـليـل، منصب الخـليفـة، وعـاش مثـل بقية رعيته دون أن يمتاز عنهم فـى مسكن أو مـلبس، بـل إنه رد مـا خصصه له كبار الصحابة من راتب ضئيل، كى يترك التجارة ويتفرغ لمنصبه
وفى أواخر شهر جمادى الآخرة من العام الثالث عشر للهجرة، فاضت روح أبـى بكر إلى بـارئهـا بعد مرض استمر أسبوعين، كان سببه الحمى، وتولى بعده الفاروق عمر بن الخطاب
ولُد أبو بكر سنـة 573م بعد مولد الرسول صـلى الله عـليه وسـلم بثـلاثـة أعوام، ونشـأ فى مكة، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته
وعُرف أبو بكر بترفعه عن عـادات الجـاهـليـة، وما كانوا يقترفونه من مجون وشرب خمر، وارتبط قبـل البعثة بصداقة قوية مع رسول الله صـلى الله عـليه وسـلم، وكـان الاتفـاق فى الطباع وصفاء النفس من أقوى الروابط بين النبى وأبى بكر
إسلامه
تُجمع مصـادر السيرة والتـاريخ على أن أبا بكر كان أول من أسلم وآمن بـالنبـى صلى الله عليه وسلم من الرجال الأحرار، وكان لسلامة فطرته التـى كـانت تعـاف مـا عـليه قومه من عبـادة الأوثـان أثر فـى تبكيره بـالدخول فـى الإسـلام، و مـا إن دعـاه النبـى صـلى الله عليه وسـلم إلى الإسـلام حتـى أسلم على الفور؛ لثقته بصدق النبى صلى الله عـليه وسـلم وأمـانته، يقول النبـى صـلى الله عـليه وسـلم: مـا دعوت أحدًا إلى الإسـلام إلا كـانت فيه عنده كبوة - تأخر فى الإجابة-إلا مـا كـان من أبـى بكر بن أبـى قحـافـة، مـا عكم عنه - تأخر عنه - حين ذكرته له، وما تردد فيه
ومـنذ أن أسـلم وهو يهب نفسه ومـاله لله ورسوله، فكـان يشترى من أســلم مـن العـبيـد الذيـن كـانت قريش تعذبهم، ويعتقهم كبـلال بن ربـاح، وكـان يذود عن النبى صلى الله عليه وسلم بكل ما أوتى من قوة، فيروى البخارى عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قوله: رأيت عقبة بن أبى معيط جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو يـصــلى، فـوضع رداءه فـى عنقه، وخنقه به خنقًا شديدًا، فجـاء أبو بكر - رضـى الله عنه - حتـى دفعه عنه، فقـال: أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم. صحيح البخارى. ومن أجَلِّ مواقف أبـى بكر تصديقه للنبـى صـلى الله عـليه وسـلم
فـى حـادث الإسراء، فحين أخبر النبـى صـلى الله عـليه وسـلم بذلك أسـرعـوا إلى أبــى بكر يخبرونه، ظنـا منهم أنه لن يصدق، فقـال لهم: والله لئن كـان قـاله لقد صدق، فإنى أصدقه فى أبعد من هذا، أصدقه فـى خبر السمـاء يـأتيه فـى سـاعـة من ليـل أو نهار، فلُقب بـالصديق من يومئذٍ. واختـاره النبـى صـلى الله عـليه وسلم -لثقته- به ليرافقه فـى رحـلة الهجرة دون غيره من الصحـابـة، ثم لازم النبى بعد الهجرة فـى ليـله ونهـاره، فـلم يتخلف عن غزوة من غزواته أو مشهد من مشاهده، وكان مجاهدًا بنفسه وماله حتى وصفه النبى بقوله: ما لأحد عندنـا يدٌ إلا وقد كـافـأنـاه بهـا، إلا أبـا بكر، فـإن له عندنا يدًا يكـافئه الله بهـا يوم القيـامـة، وما نفعنى مال أحد قط ما نفعنى مال أبى بكر
ومـمــا لاشـك فـيه أن أبــا بـكر الصـديق عند عـلمـاء الأمـة أفضـل المسـلمين مطلقًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليل ذلك أنه جـعــله أميرًا عـلى الحج فـى العـام التـاسع من الهجرة، وأنـابه فـى الصــلاة عـند مـرضـه - دون غيره -، وكـان هذا أقوى مرشح له لتولى الخلافة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم
أبو بكر الصديق ومسؤوليات الخلافة
بعد أن بويع أبو بكر الصديق البيعـة العامة قام فخطب الناس خطبة قـصيـرة، وضـح لهـم فيهـا منهجه فـى الحكم، فقـال بعد أن حمد الله و صـلى عـلى نبيه: أمـا بعد أيهـا النـاس فـإنـى وليت عـليكم ولست بـخيركم، فـإن أحسنت فـأعينونـى، وإن أسـأت فقومونـى، الصدق أمـانـة، والكذب خيـانـة، والضعيف فيكم قوى عندى حتى أزيح عليه حـقه إن شـاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتـى آخذ الحق منه إن شـاء الله، لا يدع قوم الجهـاد فى سبيل الله إلا ضربهم الله بالذلّ، ولا تشيع الفـاحشـة فـى قوم قط إلا عمهم الله بـالبلاء، أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فـإذا عصيت الله ورسوله فـلا طـاعـة لى عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله
كـلمـات قليلة وبسيطة، لكنها في غاية الأهمية، تحمل اعتراف الخليفة الأول بحق الأمة فى مراقبة تصرفات حاكمها ونقده وتقويمه إن جانب الصواب
كـان أول القرارات التـى اتخذهـا أبو بكر وأصعبهـا قراره بـإنفاذ جيش أسـامـة إلى جنوبـى الشـام، كمـا أمر به رسول الله صلى الله عــليه وسـلم، وذلك لأن الصديق أقدم عـليه فـى ظروف دقيقـة وحـرجـة، فـالعربُ قد ارتدت عن الإسـلام، حتـى مكـة نفسهـا همت بــالردة، لولا أن سـهيــل بـن عمرو روَّعهم، قـائـلا: لمـاذا ترتدون والنبوة كـانت فيكم، والخـلافـة أصبحت فيكم؟، وحاولت الطائف أن تـرتـد، فـمنع من حدوث ذلك عقـلاؤهـا؛ إذ قـالوا لقومهم: لقد كنتم آخر من أسلم، فلا تكونوا أول من يرتد
كـمـا استفحـل أمر مدعـى النبوة مسيـلمـة الكذاب فـى اليمـامـة شرقـى شبه الجزيرة العربية، وطليحة بن خويلد الأسدى فى بنى أسـد، فــى مـنطـقــة بذاخـة -مـاء لبنـى أسد يقع إلى الشرق من المدينـة المنورة - ولقيط بن مـالك فـى عمـان جنوبـى شرقى بلاد العرب، والأسود العنسى فى اليمن
وكـل أولئك ظهروا فـى أواخر حيـاة النبـى صـلى الله عـليه وسـلم، لكـنه لم يـحفــل بـهم كـثيـرًا؛ لثـقته بـالقدرة عـلى القضـاء عـلى تـلك الحركـات، وفـى الوقت نفسه أمر بـإنفـاذ جيش أسامة بن زيد إلى جـنوب الشــام؛ لتــأديـب القـبــائـل القـاطنـة هنـاك، التـى تعـادى المسـلمين، ولتثبيت هيبة الإسلام فى أعين الروم، التى فرضها عليهم فــى غـزوة تـبوك، وللفـت أنظـار أصحـابه إلى خطورة دولة الروم عــلى الإســلام، لكـن هـذا الجـيش لم يـذهب لأداء مهمته؛ لمرض النبـى صـلى الله عليه وسلم ووفاته، فكان أول قرار للصديق، هو تنفيذ ما عزم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم
لكـن الصحـابـة جميعًا عـارضوا أبـا بكر فـى قراره بـإرسـال جيش أسـامـة، وتعللوا بأن الردة قد عمت شبه جزيرة العرب، وأن الخطر داهـم ومـحدق بـهم، حـتـى لم تسـلم منه المدينـة نفسهـا، واشرأبت أعنـاق أعداء الإسـلام من يهود ونصـارى وغيرهمـا، وتحفزوا للقضاء عـلى الإسـلام، ولذا فـإن بقـاء الجيش فـى المدينـة ضرورة مـلحـة؛ لحمايتها من الأخطار المحدقة بها
لكن ذلك كـله لم يثن عزيمة الصديق عن إرسال جيش أسامة، ووقف كالأسد الهصور يذود عن الإسلام باتخاذ ذلك القرار الصعب قائلا: و الذى نـفس أبــى بكر بيده، لو ظننت أن السبـاع تخطفتنـى لأنفذت بعث أسامة، كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبق فى القرى غيرى لأنفذته
و قـد ظـهرت نـتــائـج سيـاسـة الصديق الموفقـة، عندمـا ذهب جيش أسـامـة وحقق ما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم من أهداف، و عـاد محمَّلا بالغنائم، وألقى الرعب والفزع فى قلوب القبائل العربية التـى مرَّ عـليها فى شمالى شبه الجزيرة العربية وهو فى طريقه إلى الشـام؛ لأنهم قالوا: لو لم يكن بالمسلمين قوة لما أرسلوا هذا الجيش الكبير إلى هذا المكـان البعيد فـى مثل هذا الوقت؛ ولذا كانت حركة الردة فـى المناطق التى مرّ بها أسامة بجيشه أضعف منها فى أى مكان آخر من شبه الجزيرة العربية
حركة الردة
يعد موقف الصديق من حركة الردة ومواجهته لها من أروع المواقف فــى التــاريخ، لأنه آمن إيمـانًا عميقًا بـانتصـار الحق مهمـا تكن قوة أعدائه، وأظهر تصميمًا على الدفاع عن الإسلام مهما يبذل من جهد. و قد بدأت حركـة الردة بـالقبـائـل التى منعت الزكاة كعبس وذبيان وغطفـان وغيرهـا، حيث أرسـلت وفدًا إلى المدينـة، يعرض على الصديق مطـالبهم، وأنهم لم يرفضوا الإسلام، ولكنهم يرفضون دفع الزكـاة لحكومـة المدينـة؛ لأنهـا فـى ظنهم معرَّة، ويعدُّونهـا إتاوة تـدفـع لأبــى بكر، ولم تدرك تـلك القبـائـل أثر الزكـاة فـى التكـافـل الاجتماعى بين المسلمين
كــان رأى فـريق من الصحـابـة وعـلى رأسهم عمر بن الخطـاب أن يـستـجيـب أبو بكر لتـلك القبـائـل، ولا يجبرهـا عـلى دفع الزكـاة، وخـاصة أن المدينة مكشوفة، وليس بها قوة تحميها وتدافع عنها؛ لأن جيش أسامة لما يعد بعد من شمالى بلاد العرب، لكن الصديق لم يقتنع بهذا الرأى، ورد على عمر بن الخطاب ردا جازمًا قائلا له: والله لو منعونى عقالا -الحبل الذى يجرُّ به الحمل - لجاهدتهم عليه. وكـان هذا الموقف الثـابت من الصديق رائعًا كـل الروعـة، فمـاذا لو وافـق أبـو بـكر عـمر ومـن مـعه عــلى رأيـهم ؟ ربمـا شجع هذا
التنـازل قبـائـل أخرى، فتمتنع عن دفع الزكاة أسوة بهؤلاء، ولربما تطور الموقف إلى أبعد من هذا، فتمتنع قبـائـل عن إقـامـة الصلاة أو غيرهـا من أركـان الإسلام، ويكون هذا هدمًا للدين من أساسه. وكأن الصديق حين فعـل هذا تمثـل واقتدى بموقف لرسول الله صلى الله عـليه وسـلم عندما جاءه وفد ثقيف يعلنون إسلامهم، ويطلبون منه إعفـاءهم من أداء الصـلاة، فرفض النبـى صلى الله عليه وسلم ذلك، و قـال لهم: لا خير فـى دين لاصـلاة فيه، ولعل الصديق قصد ذلك حين قال: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة
ولم يـكن الصديق صـاحب قرارات صـائبـة فحسب، بـل كـان يقرنهـا بـالعمل على تنفيذها، فلما رأى الغدر فى عيون مانعى الزكاة أدرك أنـهم سـيهــاجـمون المدينـة عـلى الفور؛ لأنهم عرفوا غيـاب معظم الرجــال مـع جـيش أســامــة، وأعــلن حــالة الاستعداد للدفـاع عن المدينـة عقب عودة المانعين إلى ديارهم، واتخذ مسجد رسول الله، مقرا لغرفـة عمـليـات عسكريـة، وبـات ليلته يُعد للمعركة ويستعد لها، و أمر عددًا من كبـار الصحـابـة بحراسة مداخل المدينة، على رأسهم عـلى بن أبـى طـالب، و طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهم
وحدث مـا توقعه الصديق فبعد ثـلاثـة أيام فقط هاجم مانعو الزكاة المـديـنــة، فـوجـدوا المسـلمين فـى انتظـارهم، فهزمهم المسـلمون و ردوهـم عــلى أعـقــابهم إلى ذى القصـة - شرقـى المدينـة. ثم تـعقـبهـم الصـديق وألحق بهم هزيمـة منكرة، وفرت فـلولهم، وغنم المـســلمـون مـنهـم غـنـائم كثيرة، واتخذ الصديق من ذى القصـة مكـانًا لإدارة المعركـة ضد حركـة الردة كلها، وفى هذه الأثناء جاءت الأخـبــار بـوصول جيش أسـامـة سـالمًا غـانمًا، فـأسرع الصديق بنفسه لاستقبـال قـائد الجيش الشـاب، الذى قام بهذه المهمة الخطيرة خير قيـام، وبعد أن احتفـى به وهنأه على عمله، أنابه عنه فى حكم المـديـنـة، وعـاد هو إلى ذى القصـة ليدير المعركـة مع المرتدين بعزيمة لا تلين
أسباب حركة الردة
قبل الخوض فى الحديث عن مواجهة أبى بكر لحركة الردة، ينبغى معرفـة أسبـابها، التى جعلت تلك القبائل ترتد بعد أن أعلنت إسلامها أمام الرسول صلى الله عليه وسلم فى السنة الأخيرة من حياته
- السبب الأول: أن إسـلام أغـلب هذه القبائل كان ضعيفًا، فقد أذعنوا لقـوة المسـلمين، التـى لم يكن لهم قِبَل بمواجهتهـا؛ فـاستسـلموا ولم يـســلمـوا إســلامًا حقيقيًا، فظنوا أن وفـاة الرسول صـلى الله عـليه وسلم ستفتُّ فى عضد المسلمين، ولن يستطيعوا مواجهتهم
- والسـبب الثــانـى: أن العصبيـة القبـليـة كـانت عندهم قويـة، فمعظم المـرتدين الذين التفوا حول مدعـى النبوة كـانوا يعـلمون صدق النبـى صـلى الله عـليه وسلم، ولكن كل قبيلة كانت تريد أن يكون لها نبى من أبنـائهـا ولو كـان كذابًا، كما لقريش نبى من أبنائها، وعبروا عن ذلك بـوضوح وصراحـة، فيقول أحد بنـى حنيفـة لمسيـلمـة: أشهد أنك كذاب، ولكن كذاب ربيعـة - التـى منهـا مسيـلمـة - خير من صـادق مـضر- التــى مـنهــا مـحمـد ، وقــال عيينـة بن حصن الفزارى عن طــليـحــة بـن خويـلد الأسدى: نبـى من الحـليفين خير من نبـى من قريش، ومحمد مات، وطليحة حى.
- والسبب الثـالث: أن زعمـاء القبـائـل وشيوخهـا كـانوا مستفيدين من الوضع القبـلى القديم؛ إذ كـانت حياة معظم القبائل تقوم على الإغارة و السـلب و النهب، ويأخذ شيوخها ربع ما تحصل عليه من تلك الغارات، ولذا تزعموا حركة الردة، وحرضوا أبناء القبائل عليها، ليستمروا فى السيطرة على قبائلهم
- والسـبب الرابـع: أن الفـرس والروم حـــاولا القـضــاء عــلى الإســلام بـاستخدام العرب وتحريضهم ومسـاعدتهم، فـلمـا فشلا فى ذلك تدخلا تـدخُّلا مـبــاشـرًا، فـحرَّض الفـرس عـرب الخــليج عـلى الردة، ثم أمدوا سجـاح بنت الحـارث اليربوعيـة - مدعية النبوة - بجيش كبير، قوامه أربـعون ألف رجـل، جـاءت بهم من العراق التـى كـانت تحت الحكم الفـارسـى لمحاربة المسلمين، فلما فشلت تدخلوا مباشرة ضد المثنى بن حارثة، الذى كان يحارب المرتدين على حدود العراق
وفـعــل الروم البيزنطيون مـا فعـله الفرس، فـاعتدوا فـى حروب الردة عـلى جيش خـالد بن سعيد بن العـاص فـى منطقـة تيمـاء شمالى الحجاز، وألحقوا به هزيمة كبيرة وقتلوا معظم جنوده
المواجهة السلمية
أراد أبـو بكر الصديق أن يبصِّر المرتدين بخطورة مـا أقدموا عـليه، فـواجـههم مواجهـة سـلميـة بـأن دعـاهم إلى العودة بدون قتـال إلى الإسـلام، الذى أكرمهم الله به، وأرسـل إليهم كتابًا يقرأ على القبائل كلها؛ لعلهم يعقلون، جاء فى أخره
وإنـى بعثت إليكم فلانًا فى جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بـإحسـان، وأمرته ألا يقـاتـل أحدًا ولا يقتـله حتـى يدعوه إلى داعية الله، فـمن اسـتجــاب له وأقـرَّ وكف وعمـل صـالحًا، قبـل منه وأعـانه عـليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثم لا يبقى على أحدٍ منهم قدر عـليه، ولا يقبـل من أحدٍ إلا الإسـلام فمن اتبعه فهو خير له، ومن تـركـه فــلن يعجز الله، وقد أمرت رسولى أن يقرأ كتـابـى فـى كـل مجمع لكم، والداعيـة الأذان، فـإذا أذن المسـلمون فأذَّنوا كفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا عاجلوهم
الاستعداد العسكرى
وفـى الوقت الذى كان يأمل فيه أن يستجيب المرتدون، ويعودوا إلى دين الله دون قتـال؛ كـان يعد أحد عشر جيشًا فى وقت واحد، تغطى المناطق التى ارتد أهلها فى شبه جزيرة العرب، جاهزة للانطلاق إلى كـل منطقـة؛ ليشغـل كـل قبيـلة بـالدفـاع عن نفسها فى ديارها، ولا تـأخذ فرصـة للتجمع والتكتـل ضده، وكـان هذا تصرفًا بـارعًا وحكيمًا من الصديق
واختـار الصديق لهذه الجيوش أمهر القـادة وأكثرهم خبرة بالقتال، وهـم: خــالد بـن الوليـد، سـيف الله وعـبقرى الحرب، وأمره بقتـال المرتدين من بنـى أسد وغطفـان وحـلفـائهم بقيـادة طـليحة بن خويـلد فى بذاخة، فإذا انتهى من مهمته توجه لقتال المرتدين من بنى تميم فى البطاح، إلى الشرق من ديار بنى أسد
- وعـكرمـة بن أبـى جهـل وأردفه بشرحبيـل بن حسنـة، وأمرهمـا بـالتوجه إلى مسيـلمة الكذاب ومن معه فى اليمامة، وأمرهما ألا يـقــاتــلاه حـتــى يــأمـرهـمـا بذلك، لمعرفـة أبـى بكر بقوة جيش مسيـلمـة، وأنهمـا لن يقدرا على هزيمته بسهولة، بل يشغلاه حتى يحين الوقت المنـاسب لإرسال قوات أكبر؛ لمواجهة بنى حنيفة فى جموعهم الكبيرة
- والعـلاء بن الحضرمـى، وأمره بقتال المرتدين فى البحرين وما والاها
- وحذيفـة بن محصن، وأمره بقتال المرتدين فى دبا فى جنوبى شرقى شبه الجزيرة
وعـرفـجــة بـن هـرثـمـة، وأمره بقتـال المرتدين فـى مهرة فـى جنوبى شبه الجزيرة
والمـهــاجر بن أبـى أميـة المخزومـى، وأمره بقتـال المرتدين فـى جنوبى اليمن
وسويد بن مقرن، وأمره بقتـال المرتدين فـى تهـامـة اليمن على ساحل البحر الأحمر
- وعمرو بن العاص، وأمره بقتال قبائل قضاعة فى الشمال
- ومـعن بـن حــاجـز وأمـره بقتـال المرتدين فـى هوازن وبنـى سليم
وخــالد بن سعيد بن العـاص، وأمره أن يعسكر فـى تيمـاء، ولا يقاتل أحدًا إلا إذا قوتل
أهم معارك حروب الردة
لم يستجب المرتدون لدعوة أبـى بكر السـلميـة، فبدأ قادته ينفذون مــا عـهد إليهم من مهـام، وخـاض خـالدبن الوليد أول معـارك الردة فـى بذاخـة ضد المرتدين من غطفان وبنى أسد وحلفائهم ممن التفوا حول طـليحـة بن خويـلد الأسدى مدعـى النبوة، وكـان النصر حـليف خـالد، بعد أن ألحق بهم هزيمـة منكرة وغنم كثيرًا، وأرسل عددًا من زعمـائهم أسرى إلى الخـليفـة، وفر طـليحة، وظهر كذبه، و يجدر بـالذكرى أن طـليحـة قد أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه فى عـهد أبــى بـكر الصديق، واشترك فـى الفتوحـات الإسـلاميـة فـى فارس، فى عهد عمر بن الخطاب، وكان له دور بارز فيها
وبـعد ذلك تـوجه خـالد بن الوليد إلى البطـاح فـى نجد لقتـال المرتدين من بنـى تميم بزعامة مالك بن نويرة، ونجح فى إلحاق
الهزيمة بهم، والقضاء على الردة فى بلادهم
معركة اليمامة
اليمـامـة مصطـلح جغرافـى قديم، يشمـل المناطق الشرقية من شبه الجزيرة العربيـة التى تقع فيها الآن مدينة الرياض عاصمة المملكة العربيـة السعودية. ووقعت معركة اليمامة نفسها فى مكان قريب من هذه المدينة
وسـبق أن ذكـرنــا أن أبــا بـكر أرســل عكرمـة بن أبـى جهـل وشرحبيـل بن حسنـة للوقوف فـى وجه مسيـلمـة، ولم يـأمرهمـا بقتـال؛ لكنهمـا تعجلا مخالفين أوامر الخليفة، واشتبكا مع مسيلمة فـى حرب لم يصمدا فيهـا، وعـادا منهزمين، ولعـلهما أرادا أن يتشبها بخالد بن الوليد حتى يحوزا أكاليل النصر، كما حازها هو
ومــا إن وصـلت أنبـاء هزيمتهمـا إلى أبـى بكر حتـى غضب غضبًا شديدًا، وطـلب منهمـا ألا يعودا إلى المدينة، وقرر فى الوقت نفسه أن يـرســل خــالد بـن الوليـد إلى اليـمــامـة للقضـاء عـلى فتنـة مسيـلمـة، فهو أصـلح الناس لهذه المهمة. وكان خالد قد فرغ من القـضــاء عـلى فتنـة المرتدين من بنـى أسد وغطفـان وتميم، فجـاءته أوامر من أبـى بكر بـالتوجه إلى اليمـامـة للقضاء على فتنة مسيلمة الكذاب
امتثـل خـالد بن الوليد لأوامر الخـليفة، وسار فى صحراء وعرة نحو ألف كيـلو متر، حتـى التقـى بجيوش مسيـلمـة - وكانت نحو أربعين ألفًا - فـى مكـان يسمى عقرباء فى حين كانت قوات خالد تبلغ نحو ثـلاثـة عشر ألفًا، فيهم عدد كبير من المهاجرين والأنصار، ودارت الحـرب بـين الفـريـقيـن، وكـانت حربًا شرسـة، اشتدت وطـأتهـا عـلى المسـلمين فـى البدايـة، وكادوا ينهزمون، لولا أن زأر خالد كالأسد الهصور، ونـادى بـأعـلى صوته وامحمداه، وكـان شعـار المسلمين فـى المعركـة، فـاشتعـلت جذوة الإيمـان فـى القـلوب، وهانت الحياة على النفوس، وأقبل المسلمون على القتال دون خوف أو وجل، طمعًا فــى النـصر أو الشـهــادة، وصبروا لأعداء الله حتـى هزموهم هزيمـة مـنكـرة، وقـتـلوا مسيـلمـة الكذاب مع نحو عشرين ألفًا من رجـاله، واستسلم من بقى من قواته أسرى للمسلمين، واستشهد من المسلمين أكثر من ألف ومـائتـى رجـل، منهم عدد كبير من القراء وحفظة القرآن الكريم
وحـين تـرامت إلى المرتدين أخبـار انتصـارات خـالد ومـا فعـله فـى بنى حنيفة، وقر فى أذهانهم أن المسلمين لا ينهزمون؛ ولذا كانت مهمـة بقيـة القـادة فـى المنـاطق التـى توجهوا إليها أقل صعوبة مما واجهه خالد بن الوليد فى اليمامة
وقبـل أن يمضـى عـام عـلى بدء حركة الردة كان أبو بكر الصديق قـد نـجح فـى القضـاء عـليهـا فـى كـل مكـان، وعـادت شبه الجزيرة العـربـيـة موحدة دينيًا وسيـاسيًا تحت لواء المسـلمين وحكومتهم فـى المدينة على ما كانت عليه فى آخر حياة الرسول
الفتوحات الإسلامية فى عهده
أسبابها
من يتتبع حركـة الفتوحـات الإسـلاميـة خارج شبه الجزيرة العربية يجد أنـهــا جــاءت استطرادًا، وجـاءت تحت ضغط الظروف، وأن المسـلمين اضطروا إليهـا اضطرارًا؛ إذ لم يكن لهم برنـامج أو خطـة معدة من قبل للفـتح أو التصـادم مع الآخرين؛ لأن نشر الإسـلام، وهو الغـايـة الأولى للمسـلمين، لا يتطـلب أعمـالا حربيـة أو الدخول فـى معارك عسكرية، وكــل مــا كــان يـطـلبه المسـلمون هو أن يفسح لهم الآخرون الطريق ليدعوا إلى دينهم بـالحكمـة والموعظة الحسنة، ولكن الفرس والروم لم يعطوا المسـلمين هذه الفرصـة، فكادوا لهم واعتدوا عليهم، مما اضطر المـســلمـين إلى خـوض الحروب معهم، ورد عدوانهم، وتحقيق الحريـة لنـشر العـقيـدة الإســلامـيـة دون عوائق، وليس لنشر العقيدة، والفرق كبير بين المعنيين
فتح العراق
فى أثناء حروب الردة طارد المثنى بن حارثة - أحد قادة المسلمين - المرتدين إلى الشمـال، عـلى السـاحـل الغربـى للخليج العربى، فلما وصــل إلى حـدود العـراق تكـاثرت عـليه قوات الفرس، بعد أن رأوا فشـل عمـلائهم من المرتدين فـى القضـاء عـلى الإسـلام فألقوا بثقلهم فى المعارك ضد المسلمين
ولمــا رأى المـثنــى أنـه غير قـادر بمن معه عـلى مواجهـة القوات الفـارسيـة، أرسـل إلى الخـليفـة يشرح له الموقف، ويطـلب منه المدد، فأدرك الخليفة خطورة الموقف، ورأى أن يردع الفرس ويرد عدوانهم، فرماهم بخالد بن الوليد أعظم قواده، وأردفه بعياض بن غنم
و فـى المحرم من العام الثانى عشر من الهجرة تحرك خالد بن الوليد من اليمـامـة، وكـان لايزال بهـا، بعد أن قضـى على فتنة مسيلمة الكـذاب، وتوجه إلى العراق. حيث خـاض سـلسـلة من المعـارك ضد الفـرس فــى خــلال عـدة شـهور، فــى ذات الســلاسـل والمذار، و الولجــة، وأليـس، وهـذه أسـمــاء الأمــاكـن التــى دارت فيهـا الحروب، وكـان النصر حـليفه فيهـا، ثم توَّج انتصاراته بفتح الحيرة عاصمة العراق فى ذلك الوقت،واستقر بها فى شهر ربيع الأول من العــام نـفسـه، ثـم فـتح الأنـبــار وعـين التـمر إلى الشـمــال من الحـيرة، ثـم جــاءته أوامر من أبـى بكر أن يعود إلى الحيرة ويستقر بها إلى أن تأتيه أوامر أخرى
وخـلاصة القول أنه فى خلال بضعة أشهر نجح خالد فى فتح أكثر مـن نـصف العراق،وصـالح أهـله عـلى دفع الجزيـة، و لم يجبر أحدًا على الدخول فى الإسلام
فتح الشام
كــان خـالد بن سعيد بن العـاص، أحد قـادة حروب الردة، معسكرًا بقواته فـى تيمـاء شمـالى الحجـاز بـأمر من الخـليفة الذى ألزمه بألا يقاتل أحدًا إلا إذا قوتل، وقصد الخليفة بذلك أن يكون هذا الجيش احـتيــاطيًا، يمد -عند الضرورة - القوات المحـاربـة فـى جهـات أخرى، و أن يراقب تحركـات الروم؛ لأنه كـان على يقين أنهم سوف يستغلون فرصة انشغاله بحروب الردة، ويكرروا عدوانهم
و حـدث مــا تـوقـعه أبـو بـكر الصـديـق، فقد هجم الروم عـلى جيش خـالد، ومعهم القبائل العربية القاطنة فى الشام، وألحقوا به هزيمة قــاسـيـة، وقتـلوا معظم جنوده، واستشهد ابنه فـى المعركـة، فـلمـا وصـلت أخبـار الهزيمـة إلى الخـليفـة أبـى بكر جمع كبـار الصحابة لدراســة المـوقـف، فــاستقر رأيهم عـلى ضرورة صد العدوان، وشرع أبو بكر فى حشد أربعة جيوش لتحقيق ذلك
- جـيش بـقيـادة أبـى عبيدة بن الجراح وجهه إلى حمص شمـالى الشام
- وجـيش بقيـادة يزيد بن أبـى سفيـان، ووجهه إلى دمشق فـى وسط الشام
- وجيش بقيادة شرحبيل بن حسنة، ووجهه إلى الأردن
- وجيش بقيادة عمرو بن العاص، ووجهه إلى فلسطين
وقـال أبو بكر لقـادة جيوشه: إذا عمـلتم منفردين، فكل واحد منكم أمـير عــلى من معه من قوات وكـان مع كـل واحد منهم نحو ثمـانيـة آلاف جـندى - ثم أمير عـلى المنطقـة التـى يفتحهـا، أمـا إذا ألجـأتكم الظروف إلى الاجتمـاع فـى مكـان واحد، فالقائد العام أبو عبيدة بن الجراح
موقعة اليرموك
تحرك القـادة الأربعـة بجيوشهم، فـلمـا دخـلوا جنوبـى الشـام، وجدوا جـيشًا رومـيــا، قوامه نحو 250 ألف جندى، بقيـادة تذراق أخـى هرقـل، يسـاندهم نحو ستين ألفًا من العرب - تقريبًا بقيادة جبلة بـن الأيـهم الغـســانــى، فــلم يـستـطيـعوا الالتحـام مع هذه الجموع الحـــاشـدة، فـدارت بـينـهم مـراســلات تـجمـعوا بـعدهــا فــى وادى اليرموك، تحت قيادة أبى عبيدة بن الجراح
لكن تجمعهم لم يـؤدِ إلى تحريك للموقف ضد الروم، فـأخبروا الخـليفـة أبـا بكر بمـا هم فيه، وطـلبوا المدد منه، فرأى أنه لن ينقذ الموقف فـى الشـام سوى خـالد بن الوليد، وقـال عبارته المشهورة: والله لأُنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، ثم كتب رسالة إليه: أمـا بعد فإذا جاءك كتابى هذا، فدع العراق، وأخلف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه وامضِ متخففًا فى أهل القوة من أصحابك الذين قـدمـوا العراق معك من اليمـامـة، وصحبوك من الطريق، وقدموا عـليك من الحجـاز، حتـى تأتى الشام، فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من المسلمين، فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام عليك
امـتثـل خـالد لأوامر الخـليفـة، وسـار من العراق فـى سبعـة آلاف جندى فـى واحدة من أجرأ المسيرات العسكرية فى التاريخ وأكثرها خطرًا، حيث قطعوا أكثر من ألف كيـلو متر فى ثمانية عشر يومًا، فى صـحراء قــاحـلة مهـلكـة، حتـى وصـلوا إلى وادى اليرموك فتسـلم خـالد بن الوليد القيـادة من أبـى عبيدة وخـاض معركـة مع الروم تُعـد مـن أعظم المعـارك وأبعدهـا أثرًا فـى حركـة الفتح الإسـلامـى، و سحق جيش الروم الذى كـان يعد يومئذٍ أقوى جيوش العـالم، إذ قتـل منه نحو مـائة وعشرين ألفًا، وقد أدرك هرقل إمبراطور الروم حجم الكـارثـة التـى حـلت بجيشه، فغـادر المنطقة نهائيًا، وقلبه يقطر دمًا، ويتحسر عـلى جهوده التى بذلها فى استرداد الشام من الفرس، ثم ها هـى ذى يفتحهـا المسـلمون، و قال: السلام عليك يا سوريا، سلامًا لا لقـاء بعده، ونعم البلد أنت للعدو وليس للصديق، ولا يدخلك رومى بعد الآن إلا خائفًا
وقـد اسـتشـهد مـن المـســلمـين نحو ثـلاثـة آلاف، وقد فتح هذا النصر العظيم الطريق لفتح بقية الشام، الذى تم فى عهد عمر بن الخطاب
الجمع الأول للقرآن فى عهد أبى بكر الصديق
فـزع عـمر بـن الخطـاب لاستشهـاد عدد كبير من حفظـة القرآن فـى حروب الردة، وبخـاصـة معركـة اليمـامـة، فـأشار على أبى بكر بـضرورة جمع القرآن فـى مصحف واحد؛ خشيـة أن يُستشهد عدد آخر مـن الحـفــاظ، فـيضـيع القرآن، أو يدخـله تحريف إذا تبـاعد الزمن بين نزوله وجمعه، كما حدث للكتب السابقة
تـردد أبـو بـكر فــى بـادئ الأمر من اقتراح عمر، وقـال: كيف أفـعــل شيئًا لم يفعـله رسول الله صـلى الله عـليه وسـلم، فقـال له عمر: أرى والله أنه خير، فـلم يزل عمر بـأبى بكر حتى قبل، ثم استدعـى أبو بكر زيد بن ثـابت الأنصارى، وكلفه بمهمة جمع القرآن، قـائـلا له: إنك رجـل شـاب عـاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحـى رسول الله صـلى الله عـليه وسـلم، فتتبع القرآن فـاجمعه، فـقبـل زيد هذه المهمـة الثقيـلة، وبدأ فـى تتبع القرآن، وجمعه من الرقـاع والعظـام، والعسب سعف النخل التى كان مكتوبًا عليها و من صدور الرجال، وجعل ذلك فى مصحف واحد. وقد ظل هذا المصحف عند أبى بكر، ثم انتقل بعد وفاته إلى عمر بن الخطـاب، ثم انتقـل بعد وفـاته إلى ابنته أم المـؤمنين حفصـة، و فــى عـهد عـثمــان دعـت الضـرورة إلى جمع النـاس عـلى قراءة واحدة، فـأخذه عثمـان منهـا، ونسخ منه عدة نسخ و وزعهـا عـلى الأمصار
وهكذا توَّج أبو بكر الصديق أعماله الجليلة بجمع القرآن
وفاة أبى بكر الصديق
قضـى أبو بكر فـى الخـلافة سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام قام فيهـا بجـلائـل الأعمال، ونهض بمسئولية قيادة الدولة على خير وجه، و عـاش حياته للإسلام وللمسلمين، ووهب حياته لخدمة رعيته، والدفاع عـن عـقيـدتـهـا، دون أن يـأخذ أجرًا عـلى تحمـله تبعـات هذا المنصب الجـليـل، منصب الخـليفـة، وعـاش مثـل بقية رعيته دون أن يمتاز عنهم فـى مسكن أو مـلبس، بـل إنه رد مـا خصصه له كبار الصحابة من راتب ضئيل، كى يترك التجارة ويتفرغ لمنصبه
وفى أواخر شهر جمادى الآخرة من العام الثالث عشر للهجرة، فاضت روح أبـى بكر إلى بـارئهـا بعد مرض استمر أسبوعين، كان سببه الحمى، وتولى بعده الفاروق عمر بن الخطاب
الإثنين نوفمبر 21, 2016 3:30 pm من طرف الربيع
» سونيت 95....وليم شكسبير
الخميس ديسمبر 10, 2015 6:51 am من طرف الربيع
» كيف تزيد خشوعك في الصلاة؟
الإثنين أكتوبر 19, 2015 2:38 pm من طرف semal4
» حزن المؤمن ...
الجمعة أغسطس 22, 2014 11:10 pm من طرف الربيع
» ارجوك تنساني { احلام }
السبت مارس 15, 2014 8:32 am من طرف لمار
» المكالمة .... هشام الجخ ♥
الخميس مارس 13, 2014 9:54 am من طرف الربيع
» الليل ياليلى " وديع الصافي "
الثلاثاء فبراير 11, 2014 1:59 am من طرف لمار
» جمعة مباركه ان شاء الله
الإثنين فبراير 10, 2014 2:03 pm من طرف لمار
» (((((((مجرد وقت )))))
الأحد فبراير 09, 2014 11:13 pm من طرف لمار