(القرآن شفاء معنوي وحسي فهو طمأنينة القلوب وسكينة النفوس وهداية العقول واستقامة السلوك وهو راحة النفس ولذة الروح وهوالذي يقع به للمرء من الهناء والسعادة ما لا يكون إلا به وبالارتباط معه وباليقين بما جاء فيه وبترطيب اللسان بتلاوته وبتشنيف الآذان بسماعه وبإحياء القلوب بالتفاعل معه وبتشغيل العقول بالتدبر والتأمل فيه)
(الإمام ابن القيم رحمه الله)
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ..غفارالذنوب ..وستارالعيوب ..وكشاف الكروب ..وعلام الغيوب يعلم خائنة الأعين وماتخفي القلوب ..شديد العقاب ..قابل التوب ممن يتوب .
وأصلي وأسلم علي خاتم الأنبياء والمرسلين وقائد الغرالمحجلين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن سار علي دربه واقتفي أثره إلي يوم الدين .
أما بعد...
كتبت قبل عدة أعوام رسالة موجزة عن واجبات المسلم في رمضان بعنوان (رمضان ...فليتنافس المتنافسون) ثم قلت لنفسي ماذا أكتب هذا العام في رمضان ؟
تأملت في أحوال المسلمين في رمضان فوجدت عجبا ....
• المساجد ممتلئة في الصلوات الخمس وفي صلاة التراويح وحتى صلاة الفجر التي تشكو من هجر المصلين...ثم إذا انقضي رمضان ولوا الناس مدبرين وللصلاة مضيعين .
• يحرص المسلمون علي التسابق في الخيرات والتنافس في الطاعات ثم بعد رمضان تنافسوا في اللهو واللغو وضياع الأوقات .
• تمتليء القلوب بالإيمان فتري الخشوع والإخبات...ثم تعود بعد رمضان إلي القساوة والموات.
• يحرص المسلمون علي قراءة القرآن والتسابق في عدد ختماته..فإذا انتهي رمضان هجروا كتاب الله وانقطعت علاقتهم بآياته .
سألت نفسي... لماذا يحدث هذا في رمضان ...ثم يحدث العكس تماما بعد رمضان ؟
لماذا لا نقبل علي الله إلا في رمضان ؟
لماذا لا ترق القلوب وتخشع ..ولا تذرف العيون وتدمع إلا في رمضان ؟
إخواني في الله ...إن السبب الرئيسي لكل ما سبق هو أننا لا نحسن التعامل مع القرآن
نعم ...لو أحسنا التعامل مع القرآن ولو في رمضان لتغير حالنا بعد رمضان .
• لو تعاملنا مع القرآن علي أنه منبع الهداية وشفاء لما في الصدور وموعظة للقلوب ..لتغير حالنا .
• لو تعاملنا مع القرآن كما تعامل الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم..لتغيرت الدنيا كلها من حولنا .
• لو تعاملنا مع القرآن علي أنه منهج حياة ومعلم النور الذي به حياة القلوب وسكينة النفوس ورشد العقول واستقامة الجوارح ..لما صارت أمتنا الإسلامية في ذيل الأمم يسومونها أعدائها الذل والهوان .
أخي الحبيب ..إن كنت في شك مما أقول...فتأمل معي :
• ألم نتكاسل عن أداء الصلاة ونؤخرها حتى تخرج عن وقتها ؟ ..مع أن الله تعالي يقول (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً) (النساء 103)
• ألم يتساهل الناس في مجالسهم في نشر الأقاويل والإشاعات والظنون والغيبة ؟ مع أن الله تعالي يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات 12)
• ألم نتعامل بالربا ونستحل فوائد البنوك ؟ .. مع أن الله تعالي يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ...) (البقرة 278- 279)
• ألم تصبح الدنيا أكبر همنا ومبلغ علمنا ومنتهي آمالنا ..نفرح بلذاتها وشهواتها ونحزن علي فواتها ونقصانها ؟ .. مع أن الله تعالي يقول (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (لقمان 33)
• ألم تخرج النساء والفتيات إلي الطرقات كاسيت عاريات متبرجات ؟ مع أن الله تعالي يقول ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ...) (النور31)
• ألم نترك التلفاز في بيوتنا مفتوحا بدون ضوابط لتشاهد فيه مناظر العري والفجور وكل مايهدم القيم والمبادئ ؟
أخي في الله ...قل لي بربك...إذا كنا نختم القرآن في رمضان عشرات المرات.. فلماذا تنتشر هذه الآفات والأمراض في مجتمعنا انتشار النار في الهشيم ؟
• لماذا لا نري للقرآن في نفوسنا أثرا في خلق أو عمل ؟
• لماذا لا نستدعي القرآن إلا في المآتم وأوقات المرض وفي شهر رمضان ؟
• لماذا اقتصرنا في تعاملنا مع القرآن علي حفظ حروفه وإضاعة حدوده ؟
إخواني ..وأخواتي في الله.. هذه الرسالة تطلق صيحة إنذار وأجراس خطر لتقول لكم :
قرآنكم يا مسلمون .. سارعوا بالعودة إليه ..عظموا قدره .. تدبروا آياته .. انتفعوا بمواعظه اعتصموا به.. أقبلوا عليه بكيانكم ..لا تبخلوا عليه بأوقاتكم ..تخلقوا بآدابه ..احفظوا حدوده .. انشغلوا به ..اصحبوه في حلكم وترحالكم .. اجعلوه وصيتكم لأبنائكم .
أسأل الله عز جل أن يتقبل مني هذا العمل وأن يجعله في ميزان حسناتي وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يوفقني إلي الهدي والرشاد(إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود 88)
يأيـهـا الرجـل المعلــم غــيره هلا لنفسك كان ذا التعليــم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا كيما يصح به وأنت سقيــم
ابدأ بنفـسك فانهها عـن غـيهـا فإذا انتهيت عنه فأنت حكيـم
لا تنه عـن خــلق وتأتي مـثـله عار عليك إذا فعلـت عظيـم
ملحوظة : اعتمدت في كتابة هذه الرسالة علي عدد من المصادر أذكر منها :
• العودة إلي القرآن لماذا وكيف ؟ للدكتور مجدي الهلالي .
• تحقيق الوصال بين القلب والقرآن للدكتور مجدي الهلالي .
• مفاتيح التعامل مع القرآن للدكتور صلاح الخالدي .
• أخلاق حملة القرآن للشيخ أبوبكرالآجري .
• جرعات الدواء للدكتور خالد أبوشادي .
• حديث القرآن عن القرآن للشيخ محمد الراوي .
• أفلا تتفكرون للشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل .
• سلسلة دروس ومحاضرات للدكتور علي بن عمر بادحدح - موقع إسلاميات .
لماذا نقرأ القرآن ؟
لقد أنزل الله عز جل القرآن من أجل هداية البشر إليه وإلي طريقه المستقيم وقيادتهم إلي جنته ورضوانه وانقاذهم من إبليس ومن المصير الذي يقودهم إليه ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (المائدة 15-16)
فالقرآن هو حبل الله الممدود بين السماء والأرض ... من تمسك به نجا من الهلاك وارتفع إلي السماء وتخلص من جاذبية الأرض والطين واقترب من مولاه .
لذا فلاغني للمسلم عن مصاحبة القرآن وتلاوته والتلاوة ذاتها عبادة...والقرآن هو الكتاب المتعبد بتلاوته ...ولكن كيف نقرأ القرآن؟
• هل نقرؤه لمجرد التلاوة والإستكثار من الحسنات ؟
• هل نقرؤه لتذكر الآخرة وتذكر الموت والبعث والجزاء؟
• هل نقرؤه لنعجب ببلاغته ونطرب لجمال عبارته والفاظه؟
أخي الحبيب ... اسأل نفسك ما الهدف الذي تسعي إلي تحقيقه حين تقرأ القرآن؟ أليس هو إنهاء الورد وتحقيق أكبر قدر من الحسنات .
لقد أصبح جل اهتمامنا حين نقرأ القرآن الوصول إلي نهاية السورة دون الإهتمام بتفهم ما نقول..بل وقد ينتقل الواحد منا من سورة إلي أخري دون أن يشعر وإذا سئلنا عن الآيات التي استوقفتنا في تلاوتنا فلن نجد جوابا .
بل إن الأمر أسوأ من ذلك ...فإن كثيرا من المسلمين يتعامل مع القرآن علي أنه نزل للأموات وليس للأحياء فلا يلتفتون إليه إلا عندما يموت الميت فتصدح أجهزة التسجيل في البيوت بالقرآن لعدة أيام ويحضر القراء إلي البيوت والمقابر في مناسبات الموت وذكريات الموتي .
إخواني في الله ... إن الذي يقرأ كتابا - أي كتاب- له هدف من قراءته والذي يستمع إلي شريط أويقرأ صحيفة له هدف من ذلك... والقرآن ليس بأقل من هذه الأشياء فلا ينبغي أن نقرؤه لمجرد القراءة أوطلب الثواب فقط دون النظر إلي الهدف الأسمي الذي من أجله أنزله الله عزوجل (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) (ص29)
ألا ترون رحمكم الله إلى مولاكم الكريم كيف يحث خلقه على أن يتدبروا كلامه ومن تدبر كلامه عرف الرب عز وجل وعرف عظيم سلطانه وقدرته وعرف عظيم تفضله على المؤمنين وعرف ما عليه من فرض عبادته فألزم نفسه الواجب فحذر مما حذره مولاه الكريم ورغب فيما رغبه فيه ومن كانت هذه صفته عند تلاوته للقرآن وعند استماعه من غيره كان القرآن له شفاء فاستغنى بلا مال وعز بلا عشيرة وأنس بما يستوحش منه غيره .
إن المؤمن يتصفح القرآن ليؤدب به نفسه ... همته إيقاع الفهم لما ألزمه الله من اتباع ما أمر والانتهاء عما نهى ...ليس همته متى أختم السورة ؟ همته متى أستغني بالله عن غيره ؟ متى أكون من المتقين ؟ متى أكون من المحسنين ؟ متى أكون من المتوكلين ؟ متى أكون من الخاشعين ؟ متى أكون من الصابرين ؟ متى أكون من الصادقين ؟ متى أكون من الخائفين ؟ متى أكون من الراجين ؟ متى أزهد في الدنيا ؟ متى أرغب في الآخرة ؟ متى أتوب من الذنوب ؟ متى أعرف النعم المتواترة ؟ متى أشكره عليها ؟ متى أعقل عن الله الخطاب ؟ متى أفقه ما أتلو ؟ متى أغلب نفسي على ما تهوى ؟ متى أجاهد في الله حق الجهاد ؟ متى أحفظ لساني ؟ متى أغض طرفي ؟ متى أحفظ فرجي ؟ متى أستحي من الله حق الحياء ؟ متى أشتغل بعيبي ؟ متى أصلح ما فسد من أمري ؟ متى أحاسب نفسي ؟ متى أتزود ليوم معادي ؟ متى أكون عن الله راضيا ؟ متى أكون بالله واثقا ؟ متى أكون بزجر القرآن متعظا ؟ متى أكون بذكره عن ذكر غيره مشتغلا ؟ متى أحب ما أحب ؟ متى أبغض ما أبغض ؟ متى أنصح لله ؟ متى أخلص له عملي ؟ متى أقصر أملي ؟ متى أتأهب ليوم موتي وقد غيب عني أجلي ؟ متى أعمر قبري ؟ متى أفكر في خلوتي مع ربي ؟ متى أفكر في المنقلب ؟ متى أحذر مما حذرني منه ربي من نار حرها شديد وقعرها بعيد وعمقها طويل لا يموت أهلها فيستريحوا ولا تقال عثرتهم ولا ترحم عبرتهم ..طعامهم الزقوم وشرابهم الحميم كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب .
إخواني في الله ... إن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يقرءون القرآن بقصد الثقافة والاطلاع ولا بقصد التذوق والمتاع... لم يكن أحدهم يتلقى القرآن ليستكثر به من زاد الثقافة لمجرد الثقافة ولا ليضيف إلى حصيلته من القضايا العلمية والفقهية محصولاً يملأ به جعبته إنما كان يتلقى القرآن ليتلقى أمر الله في خاصة شأنه وشأن الجماعة التي يعيش فيها وشأن الحياة التي يحياها هو وجماعته... يتلقى الأمر ليعمل به فور سماعه كما يتلقى الجندي في الميدان الأمر اليومي ليعمل به فور تلقيه ... إن هذا القرآن لم يجئ ليكون كتاب متاع عقلي ولا كتاب أدب وفن ولا كتاب قصة وتاريخ وإن كان هذا كله من محتوياته إنما جاء ليكون منهج حياة .
استمع إلي قوله تعالي (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد ) (الزمر2)
الله نزل أحسن الأحاديث وهو القرآن لما فيه من الخيرات والبركات والمنافع العامة والخاصة وهو كتاب يشبه بعضه بعضا في جمال النظم وحسن الإحكام والإعجاز وصحة المعاني وقوة المباني وبلوغه أعلى درجات البلاغة وتثنى فيه القصص وتردد وتتكرر فيه المواعظ والأحكام من أوامر ونواه ووعد ووعيد ويثنى في التلاوة فلا يملّ سامعه ولا يسأم قارئه ... إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخائفين للّه وتضطرب النفس وترتعد بالخوف مما فيه من الوعيد ثم تسكن وتطمئن الجلود والقلوب عند سماع آيات الرحمة. عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي اللّه عنهما قالت : كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم اللّه تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم.
وهكذا لابد أن يتحول الإستماع إلي القرآن وتلاوته والتأثر الخاشع به إلي سلوك ملتزم بما أنزل الله في الكتاب... بعبارة أخري يتحول إلي منهج حياة .
لماذا لا ننتفع بالقرآن ؟
علمنا فيما سبق أن القرآن هو المنبع العظيم للإيمان والذي لا يوجد له مثيل ويكفي أنه ينادي على الجميع أن هلموا إلىَّ واستكملوا نقص إيمانكم فمنابعي ممتلئة وجاهزة
لإمدادكم جميعًا بما تحتاجونه من إيمان( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ) (آل عمران 193).
يقول محمد بن كعب القرظي: (المنادي هو القرآن ليس كلهم رأي النبي عليه الصلاة والسلام)
فالقرآن له قوة تأثير ضخمة على القلوب لا يناظره فيها مصدر آخر وكيف لا وهو كلام رب العالمين الذي إذا استقبلته الجبال الرواسي لتصدعت واندكت من قوة تأثيره عليها (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (الحشر21) .
فإن كان الإيمان للقلب كالروح للبدن فإن القرآن يمثل العمود الفقري
لهذا الإيمان... لذلك ليس عجبا أن يُسمى القرآن بالروح (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا) (الشورى 52)
فإن كان القرآن كذلك فهل أدرك المسلمون قيمته وهل أحسنوا الانتفاع به؟!
هل تعاملوا معه على حقيقته كمصدر متفرد لزيادة الإيمان ومن ثمَّ التغيير؟!
للأسف لم يحدث هذا... بل حدث العكس.. فلقد انصب اهتمام الغالبية منهم إلا من رحم ربي على الناحية الشكلية للقرآن ولم يواكب ذلك اهتمام بتدبره والتأثر به والاغتراف من منابع الإيمان التي تتفجر من كل آية من آياته لتستمر الأمة في ضعفها وعجزها عن النهوض من كبوتها وكيف لا وقد هُجر أهم وأعظم مصدر للإمداد الإيماني.
ومما يزيد الأمر صعوبة أن الكثيرين لا يعترفون بذلك بل يعتبرون أن الاهتمام بالقرآن يعني الإكثار من قراءته بفهم أوبدون فهم ويعني كذلك تخريج أكبر قدر من حُفَّاظ ألفاظه في أقل وقت ممكن .. فازداد القرآن يُتما وأصبح حاضرًا وغائبًا.. موجودًا ومهجورًا.
صار حاضرًا بلفظه على ألسنة الُقَّراء والحفاظ لكنه غائب بروحه وأنواره عن القلوب وأثره الإيجابي في السلوك ....صار موجودا بشكله من خلال المطابع والإذاعات والمدارس والكليات والمسابقات لكنه مهجور في حقيقته وتأثيره على القلوب وتغييره للأخلاق والسلوك.
فإن قلت هلموا إلى القرآن ننتفع به.. قيل لك: وماذا علينا أن نفعل مع القرآن أكثر مما نفعل... فأغلب بيوت المسلمين إن لم تكن كلها تحتوي على نسخة أوعدة نسخ من المصحف والكثير من الأسر تجد فيها من يحفظ قدرًا من القرآن والإذاعات التي تبث آياته ليل نهار في ازدياد مستمر!!
فها هو القرآن يُتلى علينا ويُقرأ بين ظهرانينا... فهل تغيرت به نفوسنا وانطبعت عليه أخلاقنا وفعل في قلوبنا كما كان يفعل في قلوب أسلافنا؟
لا أيها الإخوان .. لقد صرنا نقرأ القرآن قراءة آلية صرفة .. كلمات تتردد ونغمات تتعدد ثم لا شيء إلا هذا ....أما فيض القرآن وروحانيته وهذا السيل الدافق من التأثير القوي الفعال فمن بيننا وبينه حجاب... ولهذا لم نكن صورة من النسخة الأولى التي تأثرت بالقرآن وتبدَّلت نفوسها به .
لذا وعبر هذه السطور نتعرف علي أهم العوائق والعقبات في طريق الإنتفاع بالقرآن :
1- الصورة الموروثة عن القرآن :
إن أكبر عقبة تواجهنا نحو الانتفاع بالقرآن هي تلك الصورة الموروثة عنه.
إن الصورة التي طُبعت في أذهاننا في مراحل الطفولة للقرآن أنه لا يُستدعى للحضور إلا في حالات الاحتضار والنزع والوفاة أوعند زيارة المقابر أونلجأ لقراءته عند أصحاب الأمراض المستعصية وهي قراءات لا تتجاوز الشفاة.
فإذا انتقلنا إلى مراكز ودروس تعليم القرآن الكريم رأينا أن الطريقة التي يُعلَّم بها يصعب معها استحضار واصطحاب التدبر والتذكر والنظر إن لم يكن مستحيلاً..
فالجهد كله ينصب إلى ضوابط الشكل من أحكام التجويد ومخارج الحروف وكأننا نعيش المنهج التربوي والتعليمي المعكوس... فالإنسان في الدنيا كلها يقرأ ليتعلم أما نحن فنتعلم لنقرأ لأن الهم كله ينصرف إلى حسن الأداء... وقد لا يجد الإنسان أثناء القراءة فرصة للانصراف إلى التدبر والتأمل... وغاية جهده إتقان الشكل وقد لا يعيب الناس عليه عدم إدراك المعنى قدر عيبهم عدم إتقان اللفظ ...ونحن هنا لا نهوّن من أهمية ضبط الشكل وحُسن الإخراج وسلامة المشافهة ولكننا ندعو إلى إعادة النظر بالطريقة حتى نصل إلى مرحلة التأمل والتفكر والتدبر التي تترافق مع القراءة .
من الأمور البديهية التي لا يختلف عليها اثنان أن الدافع للقراءة هو المعرفة فالذي يتناول بيده كتابًا أوجريدة ليقرأ فيها فإن الذي يدفعه لذلك هو المعرفة... معرفة ما وراء الخبر وما يحتويه من معارف ومعلومات وفي المقابل فلا يمكن لعاقل أن يقرأ أي شيء بلسانه أوبعينه دون أن يُعمل عقله فيما يقرؤه أويفكر في معانيه!!
تخيل لو أن شخصًا يفعل ذلك... ماذا تقول عنه؟ وكيف يكون
تقييمك له؟!.... ألا توافقني في أنك ستعتبره إنسانًا غير سوي.
هذا المفهوم البدهي للقراءة قد تعارف عليه الناس في جميع الأزمان والأمصار على اختلاف مذاهبهم وأديانهم... فالذي يقرأ إنما يقرأ لأنه يريد أن يتعلم شيئًا من خلال هذه القراءة والذي يطلب من غيره قراءة شيء ما فإنه يقينًا يريد من وراء هذا المطلب أن يفهم المقصود من الكلام المقروء.
هذه القاعدة التي لا تحتاج إلى برهان تنطبق على جميع الكتب والصحف والمجلات الموجودة على ظهر الأرض الآن... فقط كتاب واحد لا يتم التعامل معه بنفس الكيفية.. كتاب واحد يتعامل معه عدد كبير من الناس بطريقة عجيبة... إنهم يقرؤونه لمجرد القراءة!! ودون إعمال عقولهم لفهم معانيه ولو بصورة إجمالية بل ويتنافسون على ذلك ولا يجدون أي غضاضة في نفوسهم من قيامهم بهذا الفعل ولا يجدون حرجًا في إظهار ذلك أيضًا.
أتدري أخي القارئ ما هو هذا الكتاب؟!
إنه للأسف الشديد القرآن الكريم ... نعم أخي القارئ... القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يقرؤه غالبية المسلمين بألفاظه فقط دون أن يفكروا في معاني تلك الألفاظ ودون أن يُعملوا عقولهم في فهمها والعجيب أنهم بذلك يحسبون أنهم يُحسنون صنعًا.
لقد أنزل الله القرآن ليقرأه الناس ويتدبروا معانيه ويفهموا المراد منه ثم يجتهدوا في العمل به .... فهل فعل المسلمون ما أمرهم الله به؟!!
للأسف لا... بل جعلوا عملهم مع القرآن هو القراءة ولم يجعلوا القراءة وسيلة لفهم المراد من الآيات والعمل بها ...وفي هذا المعنى يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (لقد أنزل الله القرآن ليُعمل به فاتَخَذوا تلاوته عملا) .
لقد اجتمع الضدان بالفعل مع القرآن.. فمن الناحية الشكلية اهتم المسلمون بالقرآن اهتمامًا كبيرًا فالإذاعات تبث آياته ليل نهار والمصاحف في كل بيت وآيات القرآن تزين الجدران.... أما من الناحية الموضوعية فلقد هجر المسلمون القرآن هجرًا كاملاً... هجر يشمل رسالته الهادية ومعجزته التغييرية وانصب اهتمامهم على شكله ولفظه فقط والدليل على ذلك الهجر هو الواقع... فكلما تذكرنا حجم التغيير الذي حدث للصحابة والذي ظهر في أعمالهم وآثارهم ثم قارنا حالهم بحالنا رأينا أن واقعنا وأعمالنا وما فيها من سلبيات كثيرة تكشف لنا أن القرآن لم يفعل معنا كما فعل معهم!!
فهل المشكلة في القرآن؟ ...هل توقفت معجزته عن العمل بعد الجيل الأول؟!
حاشاه أن يكون كذلك والله عزوجل قد تكفل بحفظه من كل جوانبه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر 9) ... المشكلة إذن فينا نحن عندما اتخذناه ترانيمًا وبابًا للأجر والثواب فقط وتعاملنا معه بحناجرنا دون عقولنا وقلوبنا... أحسنا التعامل مع لفظه وهجرنا معجزته فاجتمع فينا الضدان (اتخذنا القرآن وهجرناه) وهذا ما ينطبق مع شكوى الرسول عليه الصلاة والسلام لربه( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) ( الفرقان30) .
لقد عرف سلفنا الصالح رضوان الله عليهم فضل القرآن وتلاوته فجعلوه مصدر تشريعهم ودستورأحكامهم وربيع قلوبهم وورد عبادتهم وفتحوا له قلوبهم وتدبروه بأفئدتهم وتشربت معانيه السامية أرواحهم فأثابهم الله في الدنيا سيادة العالم ولهم في الآخرة عظيم الدرجات وأهملنا القرآن فوصلنا إلى ما وصلنا إليه من ضعف في الدنيا ورقة في الدين .
2- الاهتمام بالشكل فقط :
بالرغم من أن هذا السبب ناشيء عن الصورة الموروثة عن القرآن إلا إنني آثرت أن أفرده بعنوان خاص لأهميته... ويتمثل ذلك في :
• الإهتمام الشديد بإتقان أحكام التلاوة والتعمق فيها دون أن يصاحب ذلك اهتمام مماثل بالمعني .
• التركيز عند قراءة القرآن علي الإنتهاء من أكبر قدر من الآيات وبخاصة في شهر رمضان حيث التسابق في عدد الختمات دون أي إهتمام بالمعني .
وهذا راجع إلي جهلنا بالهدف الأساسي من نزول القرآن .
إن الهدف الأساسي من نزول القرآن هو هداية الناس إلي الله وإلي صراطه المستقيم والعيش علي الأرض بأمان والعودة إلي الجنة بسلام .
إخواني في الله ... ليست العبرة في التلاوة بمقدار ما يقرأ المرء وإنما العبرة بمقدار ما يستفيد... فالقرآن لم ينزل بركةً على النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظه مجردةً عن المعاني بل إن بركة القرآن في العمل به واتخاذه منهجًا في الحياة يضيء سبيل السالكين فيجب علينا حين نقرأ القرآن أن يكون قصدنا من التلاوة أن نحقق المعنى المراد منها وذلك بتدبر آياته وفهمها والعمل بها .
من هنا نقول إن من تبين له بوضوح الهدف الأساسي من نزول القرآن ستسهل عليه قراءة القرآن وتدبره وسيخرج منها بالكثير من جوانب الهداية .
3- نسيان الهدف الذي من أجله نزل القرآن :
إن الإنسان هو موضوع القرآن ...بمعنى أن الهدف الأسمى لنزول القرآن هو هداية الإنسان وإصلاحه والسير به في الطريق المؤدي إلى رضا الله وجنته..
ومن أجل تحقيق هذا الهدف جعلها الله رسالة موجزة مقارنة بما تحتويه من معان عظيمة ليسهل حملها وقراءتها وحفظها.
ولأن الإنسان من طبيعته النسيان وكذلك لتعرضه المستمر للمغريات والملهيات خلال يومه وليلته كان من الأهمية بمكان أن يداوم على قراءة القرآن لتحدث له دوام التذكرة والتبصرة وليُعَوِّض بالقرآن ما فقده من إيمان وليس ذلك فحسب بل وليمد قلبه بالروح التي تجعله دومًا في إقبال على الله ... من هنا كانت التوجيهات النبوية المتعددة بكثرة تلاوة القرآن وتعاهده كل يوم وحتى لا تمل النفس كان رصد الجوائز والأجر العظيم لكل من قرأ حرفًا من القرآن ليستمر الحافز والدافع لديها للقراءة... كل ذلك ليتحقق المقصود من اللقاء بالقرآن .
إذن فكثرة قراءة القرآن وتعلم أحكام تلاوته وترتيله وحفظ آياته وتدبره وقراءته بصوت مسموع وحزين.. كل هذه وسائل لتحقيق الهدف .
لكن ماذا يحدث لو نُسى الهدف؟!
إذا ما نُسى الهدف من نزول القرآن وبالتالي لم يحدث ربط الوسائل بهذا الهدف فمن المتوقع أن يتعامل الكثير مع النصوص الواردة في فضل وأهمية «الوسائل» (كفضل القراءة والترتيل والحفظ وقراءة الليل..) على أنها غايات وأهداف .
فيُصبح هم المرء حفظ القرآن كهدف ومن ثم لا يُعطي اهتمامًا يُذكر للقراءة المتأنية الواعية المدركة لمعاني الآيات فضلاً عن التأثر بها وينصرف الهم كذلك إلى تحصيل أكبر قدر من الحسنات من خلال القراءة السريعة وينصرف الهم أيضًا إلى استغراق الأوقات في تعلم أحكام الترتيل والتعمق فيها والتشديد على المتعلمين في أمور قد لا تكون أساسية في الترتيل.
كل ذلك وغيره من المتوقع أن يحدث لو نُسى الهدف من نزول القرآن .
وللشيخ محمد الغزالي رحمه الله كلام دقيق يؤكد هذا المعنى فيقول: (حال المسلمين مع القرآن الكريم تستدعى الدراسة المتعمقة ذلك أن المسلمين بعد القرون الأولى انصرف اهتمامهم بكتابهم إلى ناحية التلاوة وضبط مخارج الحروف واتقان الغُنن والمُدود وما إلى ذلك مما يتصل بلفظ القرآن والحفاظ على تواتره كما جاءنا أداءً وأحكامًا - أقصد أحكام التلاوة- لكنهم بالنسبة لتعاملهم مع كتابهم صنعوا شيئًا ربما لم تصنعه الأمم الأخرى .. فإن كلمة «قرأت» عندما يسمعها الإنسان العادي أويقولها تعني أن رسالة جاءته أو كتابًا وقع بين يديه فنظر فيه وفهم المقصود منه .. فمن حيث الدلالة لا أجد فكاكًا بين الفهم والقراءة أوبين السماع والوعي أما الأمة الإسلامية فلا أدري بأية طريقة فصلت بين التلاوة وبين التدبر فأصبح المسلم اليوم يقرأ القرآن لمجرد البركة كما يقولون وكأن ترديد الألفاظ دون حس بمعانيها ووعي لمغازيها يفيد أوهو المقصود وعندما أحاول أن أتبين الموقف في هذا التصرف أجد أنه مرفوض من الناحية الشرعية ذلك أن قوله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) (ص29) ... يعني: الوعي والإدراك والتذكر والتدبر.. فأين التدبر؟ وأين التذكر مع تلك التلاوة السطحية التي ليس فيها أي إحساس بالمعنى أوإدراك للمقصد) .
إن القرآن موعظة من الله ... وهل هناك أبلغ من الموعظة الربانية ؟
إن الموعظة القرآنية تولد الشفاء للصدور والقضاء علي مافي هذه الصدور من أمراض وأدناس ليعود لها نورها ...فالقرآن يشفي الصدور والقلوب من أمراض الشهوات والشبهات وأمراض الهوي والإنحراف وأمراض الشك والشرك وأمراض القلوب والنفوس والجوارح والحواس ...وصدق الله تعالي (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارا) (الإسراء82) .
وتأمل هذه الآية القرآنية وهي تبيّن نزول القرآن على مرضى القلوب والنفوس فإذا به كأنما هو غيثٌ أومطرٌ يصيب أرضاً قاحلة فيليّن قاسيها ويفجر الخيرات منها ويجعلها تورق وتخضر وتزهر بإذن الله سبحانه وتعالى) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (يونس 57)
4- قصر وظيفة القرآن علي تحصيل الأجروالثواب :
من المفاهيم التي ينبغي أن تُصحح عند المسلمين قصر وظيفة القرآن على تحصيل الأجر والثواب والتبرك... فالمفهوم السائد أنه إن كان لكل حرف يقرؤه المرء من القرآن له به عشر حسنات فليقرأ إذن أكبر قدر ممكن من الحروف ليزداد رصيده من الحسنات وفي الوقت نفسه فإن تدبر القرآن والوقوف عند معانيه سيعطل مسيرته عن قراءة أكبر قدر ممكن من الآيات ومن ثمَّ يفوته الكثير من الحسنات... إذن فلنترك التدبر جانبًا لتحقيق هدف الثواب والأجر!!
بمثل هذا الفهم ابتعد الكثيرعن تدبرالقرآن وتسابقوا فيما بينهم على ختمه في أقل وقت ممكن خاصة في شهر رمضان وبالرغم من أن آيات القرآن وأحاديث الرسول تحث على التدبر والتأثر وتذم من يقرأ القرآن ولا يجاوز حنجرته إلا أن حب النفس للراحة والشعور بالرضا بعد كل إنجاز (كَمِّي) ينجزه المرء مع القرآن جعلها تستريح لمفهوم أن الهدف من قراءة القرآن هو تحصيل الأجر والثواب وأن هذا الهدف يتحقق بمجرد قراءة الألفاظ دون تفهم ولا تأثر.
فمما لا شك فيه أن الأسهل على الإنسان القراءة السريعة للقرآن والتي قد يشرد معها العقل في أودية الدنيا فيشعرالمرء بعد القراءة براحة نفسية لمجرد إنجازه كمًا كبيرًا من الأرباع والأجزاء دون مجهود يُذكر فيصبح هذا الشعور دافعًا له للإكثار من القراءة خاصة في شهر رمضان فتحول بذلك مسار التعامل مع القرآن وبدلاً من أن تكون قراءته وسيلة لفهم المقصود منه أصبحت غاية يتنافس فيها المتنافسون.
5- أمراض القلوب والإصرار علي الذنوب :
إن مما يحول بين القلب وبين الإنتفاع بالقرآن كثرة الذنوب والمعاصي حتى يقسو بها القلب ويحـرم صاحبـه من لـذة الطاعـة والمناجاة لله سبحانه بذكره وكلامه... فكلما تخفَّف العبد من المعاصي وتقرب إلى الله عز وجل بالطاعات بدايةً بالفرائض ثم النوافل كان حظه من تدبر كلام الله عز وجل والتأثر به أكثر وأعظم.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : (ومن عقوبات المعاصي أنهـا تعمـي القلـوب فـإن لـم تعمـه أضعفت بصيرتـه ولا بـد ... قال الله تعالى ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (الزخرف36)... فأخبر سبحانه أن من عشا عن ذكره وهو كتابه الذي أنزله على رسوله فأعرض عنه وعمي عنه وعشت بصيرته عن فهمه وتدبره ومعرفة مراد الله منه قيض الله له شيطانًا عقوبة له بإعراضه عن كتابه) .
إن القلب لايمكنه أن يسمو إلي المعالي وعظيم الفضائل ويشتاق ويطمئن إلي كلام الله وهو يعيش مع الجيف والنتن وسفاسف الهمم التي تحوم عليها همم الفساق وأراذل الناس
إن القلب المشغول عن القرآن بغيره لايتأثر به لتشعبه في أودية الدنيا وغفلته عن تدبر كتاب الله... كما أن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان .. فالقلب المريض لاينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين14) .
أخي الحبيب ... إن خلو القلب من هم الدنيا وعدم التعلق بما فيها من مال أو رئاسة أو صورة والتعلق بالآخرة من أهم وسائل الإنتفاع بالقرآن وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( اعلم أن القلب إذا خلى من الاهتمام بالدنيا والتعلق بما فيها من مال أو رياسة أو صورة وتعلقَ بالآخرة والاهتمام بها من تحصيل العُدَّة والتأهب للقدوم على الله عز وجل فذلك أول فتوحه وتباشير فجره ..فعند ذلك يتحرك قلبه لمعرفة ما يرضى به ربه منه فيفعله ويتقرب به إليه وما يسخطه منه فيجتنبه... وهذا عنوان صدق إرادته.. فإن كل من أيقن بلقاء الله وأنه سائله عن كلمتين يُسأل عنهما الأولون والآخرون ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ لا بد أن يتنبه لطلب معرفة معبوده والطريق الموصلة إليه
فإذا تمكن في ذلك فتح له باب الأنس بالخلوة والوحدة والأماكن الخالية التي تهدأ فيها الأصوات والحركات فلا شيء أشوق إليه من ذلك فإنها تجمع عليه قوى قلبه وإرادته وتسد عليه الأبواب التي تفرق هَمَّه وتشتت قلبه فيأنس بها ويستوحش من الخلق.
ثم يفتح له باب حلاوة العبادة بحيث لا يكاد يشبع منها ويجد فيها من اللذة والراحة أضعاف ما كان يجده في لذة اللهو واللعب ونيل الشهوات بحيث إنه إذا دخل في الصلاة ودَّ أن لا يخرج منها ثم يفتح له باب حلاوة استماع كلام الله فلا يشبع منه وإذا سمعه هدأ قلبه به كما يهدأ الصبي إذا أعطي ما هو شديد المحبة له ثم يفتح له باب شهود عظمة الله المتكلم به وجلاله وكمال نعوته وصفاته وحكمته ومعاني خطابه بحيث يستغرق قلبه في ذلك حتى يغيب فيه ويحس بقلبه وقد دخل في عالم آخر غير ما الناس فيه ثم يفتح له باب الحياء من الله وهو أول شواهد المعرفة وهو نور يقع في القلب يُريه ذلك النور أنه واقف بين يدى ربه عز وجل فيستحيي منه في خلواته وجلواته ويرزق عند ذلك دوام المراقبة للرقيب ودوام التطلع إلى حضرة العلي الأعلى حتى كأنه يراه ويشاهده فوق سماواته مستويًا على عرشه ناظرًا إلى خلقه سامعًا لأصواتهم مشاهدًا لبواطنهم... فإذا استولى عليه هذا الشاهد غطى عليه كثيرًا من الهموم بالدنيا وما فيها فهو في وجود والناس في وجود آخر.. هو في وجود بين يدي ربه ووليه ناظرًا إليه بقلبه والناس في حجاب عالم الشهادة في الدنيا فهو يراهم وهم لا يرونه ولا يرون منه إلا ما يناسب عالمهم ووجودهم.
ثم يفتح له باب الشعور بمشهد القيومية فيرى سائر التقلبات الكونية وتصاريف الوجود بيده سبحانه وحده فيشهده مالكَ الضر والنفع والخلق والرزق والإحياء والإماتة فيتخذه وحده وكيلا ويرضى به ربًا ومدبرًا وكافيًا وعند ذلك إذا وقع نظره على شيء من المخلوقات دله على خالقه وبارئه وصفات كماله ونعوت جلاله فلا يحجبه خلقه عنه سبحانه بل يناديه كل من المخلوقات بلسان حاله: اسمع شهادتي لمن أحسن كل شيء خلقه فأنا صنع الله الذي أتقن كل شيء ) .
6- كيد الشيطان :
إن إبليس الذي أقسم بعزة الله بأن يعمل على غواية البشر وسوقهم معه إلى النار ما كان ليترك هذه الأمة ليلتقي أبناؤها بالقرآن فيتزودوا منه بالإيمان وبالتالي يتحصنون من كيده ويلتزمون صراط الله المستقيم فيدخلون الجنة.
وكيف يتركهم وقد رأى التأثير العظيم الفذ للقرآن على جيل الصحابة ومن ثَّم فإن استمرار وجود القرآن بين المسلمين من شأنه أن يُفسد مخططاته ويغلق الأبواب أمامه.
لقد استطاع الشيطان أن يستدرج المسلمين ويبعدهم شيئًا فشيئًا عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن وفي الوقت ذاته تركهم يتصلون بالقرآن ويتعاملون معه ولكن من الناحية الشكلية فيجتمع له بذلك أمران:
الأول: أن يصبح القرآن موجودًا بين المسلمين من الناحية الشكلية اللفظية.
الثاني: أن يكون غائبًا من الناحية الحقيقية الجوهرية.
فيخمد باجتماع هذين الأمرين أي تأنيب للضمير في نفوس المسلمين بهجر كتابهم ومن ثمَّ لا يمكن لأحد أن يفكر بأن القرآن بات غائبًا مهجورًا.
فعندما تنتشر المصاحف في كل مكان وتبث الإذاعات آياته ليل نهار وتُخرِّج المدارس والحلقات والكليات عشرات الآلاف من حفاظه وينكَبُّ المسلمون على قراءته في رمضان ويتنافسون على ختمه مرات ومرات بُغية تحصيل أكبر قدر من الحسنات..
عندما يكون هذا وغيره من مظاهر الاهتمام الشكلي بالقرآن هو السائد بيننا فإن الدعوة إلى العودة الحقيقية إليه والانتفاع بمعجزته وقدرته الفذة على إنشاء الإيمان والتغيير لن تجد آذانا مصغية بين المسلمين بل سيصبح من المتوقع أن يقال لصاحب هذه الدعوة : وماذا عسانا أن نفعل مع القرآن أكثر مما نفعل؟! ألا يكفي هذا الجهد المبذول معه؟!
إن هدف الشيطان هو إبعاد كل فرد في الأمة عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن لذلك فهو في البداية يجتهد في الحيلولة دون قراءة المسلم للقرآن إما بالتسويف أوبإشغاله بأمر آخر.
فإن قرأ بالفعل دخل عليه من مداخل متعددة :
• مدخل التعب والنعاس.
• مدخل تحصيل أكبر قدر من الحسنات ليدفع القارئ للقراءة السريعة غير المتدبرة.
• مدخل شرود الذهن مع بعض الكلمات.
• مدخل تذكيره بأمر من أمور الدنيا التي ينبغي عليه القيام بها ليترك القراءة.
• مدخل الاهتمام الشديد بمخارج الحروف وإتقان التلاوة.
بهذه المداخل السابقة وغيرها استطاع الشيطان أن يحقق مراده ويُبعد الأمة عن جوهر القرآن وعن وظيفته المتفردة في إحداث التغيير المتكامل للشخصية المسلمة.
فمنذ أن نزل القرآن من السماء أصبحت أهم معركة للشيطان مع المسلمين هي إبعادهم عن دائرة تأثير هذا الكتاب ليسهل عليه إضلالهم وإبعادهم عن الصراط المستقيم
لذا فقد دعانا الله تعالي إلي أن نتهيأ لتلاوة القرآن وأن نستعد لها استعدادا خاصا بأن نتوجه إلي الله نستعيذ به من الشيطان لتكون هذه الإستعاذة وسيلة لتدبر كلام الله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل 98) .
والاستعاذة معناها الالتجاء إلى الله تعالى والابتعاد عن وسوسة الشيطان وقت القراءة ذلك لأن قراءة القرآن ذكر لله واستماع لحديث الله وترداد له فهو إصلاح للقلوب وللنفوس... فالقراءة لا تجدى جدواها إلا إذا كانت معها الاستعاذة الحقيقية من الشيطان بإبعاد وساوسه فى تمنيات الإنسان إذ إن الأمانى ذريعة الشيطان .
إن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم تمهيد للجو الذي يتلى فيه كتاب الله وتطهير له من الوسوسة واتجاه بالمشاعر إلى الله خالصة لا يشغلها شاغل من عالم الرجس والشر الذي يمثله الشيطان .
كيف ننتفع بالقرآن ؟
مما لا شك فيه أن من يُقبِل على القرآن مستشعرًا أنه خِطابٌ من الله عزوجل مُوَجَّهٌ إليه يحمل في طياته مفاتيح سعادته في الدنيا والآخرة وأنه القادربإذن الله على تغييره مهما كان حاله... لا شك أن هذا الشخص لا يحتاج إلى من يَدُلُّه على وسائل تعينه على الانتفاع بالقرآن لأنه بهذا الشعور قد أصبح مُهَيّئًا للتغيير الذي يقوم به القرآن أما وإنه من الصعب علينا في البداية أن نكون كذلك بسبب ما ورثناه من أشكال التعامل الخاطئ مع القرآن مما جعل هناك حاجزًا نفسيًا بيننا وبينه يمنعنا من الانتفاع الحقيقي به... أما والأمر كذلك فإن عودتنا إلى القرآن تحتاج إلى وسائل سهلةٍ وعمليةٍ ومحددةٍ تعين صاحبَها على إدارة وجهِهِ للقرآن والإقبال على مأدبته والدخول إلى عالمه ومصنعه بصورة متدرجة... ومِن أهم الوسائل التي تحقق هذا الغرض :
1- تصحيح النية (الإخلاص) :
والإخلاص معناه تصفية العمل من شوائب الشرك كبيره وصغيره وهو مطلوب من المسلم في كل أعماله (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف110) ونعني بذلك أن نقبل بصدق وأن نستمع وأن نتلو وأن نتعلق بالقرآن في كل أحواله وأحوالنا معه بنية خالصة.. بنية نبتغي بها وجه الله بنية نتلمس بها علاج أدواء قلوبنا وبرء علل نفوسنا وذلك ما نحتاج إليه .. نحتاج إلى هذه النية الخالصة حتى تتحقق لنا النتائج المثمرة فإننا نعلم أن كل أمر وعمل بلا إخلاص لا ثمرة له .
يقول ابن القيم رحمه الله : (العمل بلا إخلاص كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه... يحمل حملاً كثيراً لكنه تراب ليس له منه إلا ثقل الوزن دون النفع والفائدة) ومن كلام ابن تيمية: ( من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق والله عزوجل قد وعد من أقبل.. أقبل الله عليه ومن صدق وأخلص أثاب الله عليه ومن تجرد لله عزوجل أعطاه الله عز وجل بقدر إخلاصه (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا( لذايجب تصحيح النية في قراءة القرآن وابتغاء وجه الله عزوجل ومحاسبة النفس على العمل بالقرآن والدعوة إليه والحكم به والتحاكم إليه والرضى بحكمه .
2- تطهير أدوات التلاوة :
يجب تطهير أدوات التلاوة التي يتعامل مع القرآن من خلالها وتنظيفها مما علق بها من معاصي وذنوب ومنكرات ..لأن نظافة وطهارة الوعاء شرط للإنتفاع بالمضمون ..فكيف يحسن تلاوة القرآن وتدبره وفهمه بعين لوثتها النظرات المحرمة؟ ..أوبأذن دنستها الأصوات المنكرة ومزامير الشيطان؟ أو بلسان نجسته الغيبة والنميمة والكذب والإفتراء والسخرية والإستهزاء ؟ وكيف يعي القرآن ويتفاعل معه قلب عليه أكنة وأغطية وحجب وموانع الشبهات والشهوات والرغبة في المعاصي والمنكرات والإقبال علي الرذائل والمحرمات ..وقد أفسدته الأمراض والآفات من الرياء والعجب والكبر ؟
إن القرآن كالمطر ..فكما أن المطر لايؤثر في الجماد والصخر ولايتفاعل معه إلا التربة المهيأة ..فكذلك القرآن لابد أن ينزل علي بيئة صالحة ليتفاعل معها وهذه البيئة هي الحواس والقلوب التي تقبل عليه .
3- التهيئة الذهنية والقلبية :
لكي يقوم القرآنُ بعمله في التغيير لابد من تهيئة الظروف المناسبة لإستقباله ومن ذلك وجودُ مكانٍ هادئ بعيد عن الضوضاء يتِمُّ فيه لقاؤنا به فلا يصح أن نلتقي به في مكان تملؤه الشواغل والضوضاء مما يشوش علي الذهن ولايجمع القلب مع القراءة .
فالمكان الهادئ يعين على التركيز وحسن الفهم وسرعة التجاوب مع القراءة ويسمح لنا كذلك بالتعبير عن مشاعرنا إذا ما اسْتُثيرت بالبكاء والدعاء... ومع وجود المكان الهادئ علينا أن يكون لقاؤنا بالقرآن في وقت النشاط والتركيز لا في وقت التعب والرغبة في النوم ...هذا بالنسبة للتهيئة الذهنية .
أما بالنسبة للتهيئة القلبية فالمقصد منها تهيئة المشاعر لإستقبال القرآن ومن ثم سرعة الوصول إلي التأثر والإنفعال ..وأفضل وسيلة لتهيئة المشاعر تذكر الموت وما وراءه من أهوال( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) (ق45) .
إن القلب الخائف الوجل من الله عزوجل هو المؤهل للإنتفاع بالقرآن...فالخوف بصفة عامة يجعل الإنسان مرهف الحس تجاه كل ما من شأنه تخفيف مسببات خوفه.. فيستقبل أي موعظة أونصيحة استقبال الباحث عن طوق النجاة فيتعلق بها ولايتركها إلا إذا استفاد منها استفادة كاملة..أما الآمن فهو علي عكس ذلك لأنه لايستشعر بأن هناك خطرا قريبا منه ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى) (النازعات 26) .
4 - حسن التلاوة :
يجب علينا ونحن نقرأ القرآن أن تكون قراءتنا متأنية.. هادئة.. مُتَرَسِّلة وهذا يستدعي مِنا سلامة النطق وحسن الترتيل( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ) (المزمل4)
والترتيل المطلوب شرعا هو التحسين بالصوت الباعث علي تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والإنقياد للطاعة ... يقول ابن مسعود رضي الله عنه عن تلاوة القرآن (لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذّوه (لا تسرعوا به) هذّ الشعر وقفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة).
إن تلاوة القرآن حق تلاوته..هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب..فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل ..وحظ العقل تفسير المعاني..وحظ القلب التأثر والإتعاظ
فاللسان يرتل.. والعقل يترجم .. والقلب يتعظ .
ولعلنا نستعين على ذلك بأمرين اثنين :
أولا: استحضار عظمة المتكلم سبحانه وتعالى :
القرآن كلام رب الأرباب وملك الملوك جبارالسماوات والأرض ..خالق الخلق وواهب الرزق ...ليس كلاماً له مثيل في الحياة كلها ...ليس له نظير فيما تسمعه وتقرؤه من كلام الدنيا وأهلها كلهم ...إنه نداء الرب سبحانه وتعالى إلى عباده المؤمنين بل إلى الخلق والبشرية والناس كلهم أجمعين .... فاذا استحضرت ذلك كان له أثر.
فعلي قدر معرفة الله تعالي تكون الخشية منه .. وعلي قدر الخشية تكون المراقبة والمبادرة إلي الخيرات وترك المنهيات .
انظر إلي قوله تعالي (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران190-191)
فبينت تلك الآيات أن التفكر في خلق السماوات والأرض قاد هؤلاء المؤمنين إلي المعرفة(رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً) ..وأن المعرفة قادتهم إلي الخشية (فَقِنَا عَذَابَ النَّار) .
إن القرآن رسالة الله إلى البشرية... نحن نعلم أن الإنسان إذا جاءته رسالة من شخصٍ يُعظمه أو يُقدره أو من إنسانٍ له عليه حقوق عظيمة وكثيرة أو له عليه حق الطاعة والاستجابة كما تأتي الرسالة من مدير الدائرة تعميماً أوتوجيهاً فإنها تُقرأ مرة بعد مرة وإنها توضع نصب الأعين وإنها تُتخذ منهاجاً لابد من العمل به وإن الإنسان إذا جاءته مثل هذه الرسائل أولاها اهتماماً فأنزله من قلبه منزلة عظيمة وأودعها في عقله تفكيراً وتأملاً وتدبراً وأنزلها في حياته سلوكاً وتطبيقاً وعملاً .. والقرآن رسالة الله إلينا وكلامه لنا وتوجيهه وإرشاده وحكمه فينا سبحانه .
ثانيا : استحضار عظمة الخطاب :
إن القرآن كلام الله سبحانه ...فهو عظيم لعظمة من تكلم به .. وعظيم لمكانة من نزل به وعظيم لمقام وشأن من أنزل عليه .. وعظيم في مقاصده الحقة .. وعظيم في تأثيره وأثره..وعظيم في لغته وأسلوبه .
فالقرآن العظيم روح يبعث الحياة ويحركها وينميها في القلب (أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) (الأنعام122)...والقرآن نور يشرق في قلب المؤمن فيزهر بالإيمان ويشرق في حياته فينيرها له ...ويشرق في سماء الأمة فيكون ضياء وسعادة وهدي وخير ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (المائدة15-16) .
والقرآن بلغ من شأنه وعظمته وشدة تأثيره أنه لو أُنزل على جبل من الجبال وجُعل له عقل كما جُعل للبشرلرأيت الجبل مع كونه في غاية القسوة والصلابة خاشعًا متصدعًا من خشية الله كما قال تعالى (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (الحشر21) ...والقرآن موعظة حكيمة محكمة هي سياط القلوب وفي الوقت نفسه فرحها واستبشارها ..أمرت بكل خير ونهت عن كل شر...والقرآن هو الفرقان بين الحق والباطل .. بين الهدي والضلال.. بين النور والظلمات (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ
الإثنين نوفمبر 21, 2016 3:30 pm من طرف الربيع
» سونيت 95....وليم شكسبير
الخميس ديسمبر 10, 2015 6:51 am من طرف الربيع
» كيف تزيد خشوعك في الصلاة؟
الإثنين أكتوبر 19, 2015 2:38 pm من طرف semal4
» حزن المؤمن ...
الجمعة أغسطس 22, 2014 11:10 pm من طرف الربيع
» ارجوك تنساني { احلام }
السبت مارس 15, 2014 8:32 am من طرف لمار
» المكالمة .... هشام الجخ ♥
الخميس مارس 13, 2014 9:54 am من طرف الربيع
» الليل ياليلى " وديع الصافي "
الثلاثاء فبراير 11, 2014 1:59 am من طرف لمار
» جمعة مباركه ان شاء الله
الإثنين فبراير 10, 2014 2:03 pm من طرف لمار
» (((((((مجرد وقت )))))
الأحد فبراير 09, 2014 11:13 pm من طرف لمار